“جرس إنذار” أممي بتوقيت اقتصاد سوريا المدمر.. ماذا بعد؟

يعيش الاقتصاد السوري تحديات داخلية وخارجية، حيث ظهرت ملامح خطيرة ذات علاقة بالوضع الأمني غير المستقر والعقوبات والفساد وغيرها، في الوقت الذي كشف فيه تقرير للأمم المتحدة أهم ملامح الاقتصاد السوري حالياً، في مؤشرات وصفت بـ”المرعبة”، ما أدى إلى دق جرس الإنذار بشأن الوضع الاقتصادي المتهالك في عموم سوريا.

توقيت الاقتصاد السوري المدمّر محدد بما قبل سقوط النظام، بفعل الحرب والفساد والعقوبات، وما بعد سقوطه بقرارات ارتجالية ومتسرعة أوجدت مشكلات إضافية بدل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، كالتسريح العشوائي وحبس السيولة وإلغاء الرسوم الجمركية.

ووفقاً للتقرير الأممي، يعيش حوالي 90% من السكان السوريين تحت خط الفقر المدقع، مع بلوغ الخسائر الاقتصادية قرابة 800 مليار دولار خلال 14 عاماً من النزاع، أما الناتج المحلي الإجمالي فيحتاج إلى 55 عاما ليعود إلى مستوى عام 2010، وسط تراجع التنمية البشرية إلى مستويات ما دون 1990، حيث فاق معدل البطالة 25%.

التقرير الصادر عن البرنامج الإنمائي للمنظمة الدولية بعنوان “أثر النزاع في سوريا.. اقتصاد مدمر” فبراير 2025، يؤكد أن التعافي الاقتصادي دونه شرطين اثنين: إعادة تنشيط القطاع الإنتاجي كسبيل أساسي ووحيد لتجاوز الواقع الاقتصادي المتدهور، والعمل على رفع العقوبات الاقتصادية، حيث تُعتبر عائقاً أساسياً أمام التعافي.

وتقول الدكتورة لمياء عاصي، وزيرة الاقتصاد السابقة في عهد النظام المخلوع لـ”بزنس برس”، إن التحديات أمام التعافي الاقتصادي وفي ظل هذه المؤشرات الخطيرة تنقسم إلى خارجية وداخلية؛ تتلخص الخارجية منها بعدم استقرار الوضع الأمني ولا سيما التهديدات الإسرائيلية، واستمرار العقوبات الأمريكية والأوروبية، وتعدد اللاعبين في الملف السوري وتضارب مصالحهم مثل روسيا وتركيا وإيران والولايات المتحدة وإسرائيل، وهذا يساهم في تعقيد المشاكل المحيطة بالوضع السوري. وتعتبر هذه التحديات جوهرية، في عدم التمكن من اجتذاب استثمارات محلية أو خارجية”.

لمياء عاصي
لمياء عاصي

في حين تتركز التحديات الداخلية، كما تضيف عاصي، على “ثلاث نقاط رئيسة، أولها ضعف البنى التحتية ولا سيما تلك المساهمة في العملية الإنتاجية مثل محطات الكهرباء والطرق والموانئ وغيرها، حيث إن توفير الطاقة اللازمة للمنشآت الإنتاجية الصناعية والزراعية تعتبر من العوامل الأساسية لتنشيط القطاع الإنتاجي وحل هذا الموضوع يستلزم توافقاً سياسياً مع قوات سوريا الديموقراطية (قسد) المسيطرة على آبار البترول”.

وتضيف: “ثانياً، على أن النظام السابق لم يطوّر رؤية اقتصادية لتساهم في تجاوز مرحلة الأزمات الحالية باتجاه التعافي الاقتصادي وكذلك حالياً من الصعب في ظل الواقع المعقد أن نشهد إجراءات أو سياسات تعمل إيجابيا لصالح هذا الاتجاه”.

وتابعت لمياء عاصي: “ثالث التحديات هو أن السياسات الاقتصادية ما تزال غير مستقرة ومتقلبة بين الانفتاح الكامل مثل إلغاء الرسوم الجمركية أمام البضائع التركية الأمر الذي يفسح المجال لإغراق السوق بها وتشكيلها عائقا حقيقيا أمام المنتج المحلي، وعمليات التسريح العشوائي لأعداد كبيرة من الموظفين الحكوميين، والتي من شأنها أن ترفع معدلات البطالة وانخفاض القدرة الشرائية بشكل عام، وهذا يخنق أي احتمال لتحسن في الإنتاج”.

وتشير عاصي إلى أنه “في ظل قدرة شرائية ضعيفة وبالتالي تدني الاستهلاك العام، لا يمكن توقع نمو اقتصادي سريع، على اعتبار أن الناتج المحلي الإجمالي وثيق الصلة بالاستهلاك العام”.

وتنوه المسؤولة السورية السابقة إلى أن “العمل على زيادة النمو الاقتصادي يستلزم البدء بمسار سياسي يؤدي إلى استقرار أمني وسياسي مستدام، وإعادة بناء الثقة التي وصلت لمستويات متدنية جدا”.

أما “المسار السياسي فيحتاج إجراء تسوية سياسية شاملة، وتشكيل حكومة انتقالية تضم كل مكونات المجتمع السوري إضافة لعملية دمج الفصائل وتشكيل الجيش السوري الوطني، وتبقى مشكلة قوات سوريا الديموقراطية موجودة شرق نهر الفرات (الأكراد)، وفي الجنوب محافظة السويداء، أما خارجيا فالتهديد الأكبر يأتي من إسرائيل على الحدود الجنوبية. أما بالنسبة لإعادة بناء الثقة فهو موضوع تراكمي يشتمل على محورين سياسي واقتصادي”، بحسب عاصي.

تستدرك عاصي: “يأتي البناء الاقتصادي الذي يتألف من البنية التحتية والسياسات الحكومية المتعلقة بالقطاعات الإنتاجية وتحفيزها، ويقوم على التحول نحو اقتصاد السوق الحر والتركيز على الاستثمار في البنى التحتية وإعادة تأهيلها، وتأمين مشتقات البترول وحوامل الطاقة كأهم مستلزمات العملية الإنتاجية وأكثرها أولوية، واستغلال الموارد مثل النفط والغاز والزراعة والذي يعتبر أساسيا في إعادة البناء الاقتصادي”.

كما تؤكد على ضرورة “اعتماد السياسات الحكومية المناسبة لعملية التعافي كتخفيف القيود البيروقراطية على الأعمال التجارية والإنتاجية، وخفض الضرائب بشكل مؤقت، وتقديم حوافز للشركات الأجنبية والمحلية للاستثمار في سوريا، والعمل على رفع القدرة الشرائية لعموم المواطنين، لأنها ستسهم بشكل مباشر وأكيد في تحفيز ورفع الإنتاج المحلي”.

ولا بد أخيراً، وفقاً للوزيرة السابقة لمياء عاصي “العمل الدؤوب لتنفيذ مراحل إعادة الإعمار التي تتكون من الاستثمار بالتنمية البشرية، ومنشآت ومشاريع البنى التحتية لرفع القدرة الإنتاجية، وتنسيق الجهود بين الحكومة السورية والقطاع الخاص والمجتمع الدولي من أجل تأمين التمويل اللازم على شكل مساعدات أو تسهيلات أو قروض تناسب إمكانيات سوريا دون إغراقها بالديون”.

لقراءة المزيد من المقالات ومشاهدة الفيديوهات ذات الصلة في “بزنس برس”: