“بزنس التوابل” في سوق عزرا اليهودي بسوريا
حين المرور بين أروقة السوق العتيقة، تفوح رائحة التوابل المعروضة أمام دكان سعيد مستو، 60 عاماً، متفاعلة مع روائح الصابون والحنة اليمنية والزيوت الطبيعية والأعشاب الطبية على اختلافها، في سوق مدينة القامشلي، شمال شرق سوريا.
وبدأ مستو تعلم هذه المهنة بتوجيه من والده منذ أكثر من 25 عاماً، إذ يؤكد شغفه وتمسكه بهذه الحرفة التقليدية التي يتوارثها الأجيال من الآباء والأجداد.
ويعد محل مستو من المحال التراثية المعروفة في سوق “عزرا” أو “سوق اليهود” وسط مدينة القامشلي، وهي من الأسواق التجارية المهمة التي تلبي حاجة السكان من كافة الطوائف الاجتماعية في المنطقة.
وفي كل صباح يتجه، سعيد مستو من منزله الكائن في أحد أرجاء المدينة الكبيرة، قاصداً محله في أقدم الأسواق، ليمارس مهنته في بيع مواد العطارة والتوابل.
ربع قرن مضى والرجل كوّن مع مهنته صداقة طويلة، حيث زار “بزنس برس” محل مستو الأثري، فأمتعنا حديثه الشيق، وهو يلتقط أطراف الحديث خلف طاولة ودروج خشبية تتراص عليها أصناف من التوابل والأعشاب الطبية.
يقول: “ورثت المهنة عن أبي وجدودي، وأحببت عملي وأتقنته، ولم أهجره خلال الأزمة، رغم هجرة العديد من الزملاء والجيران في السوق”.
ويضيف: “أبيع التوابل والأعشاب والعسل والسمن البلدي وكل ما يخص العطارة، حيث تعد محلاتنا مركزاُ مهماً للتبادل التجاري والاجتماعي والثقافي في المدينة”.
وعن تاريخ المحل وتأسيسه، يقول العطار إنه من أحد المحلات التراثية في سوق عزرا، حيث يعود تاريخها إلى عام 1928، وهو تاريخ نزوح عزرا اليهودي من مدينة نصيبين في جنوب تركيا إلى مدينة القامشلي.
ويضيف مستو: “بدأ عزرا بتأسيس السوق من عدة محلات عطارة، ثم ازدهرت لتصبح سوقا كبيرا مبنية من الطين والحجارة، وفيما بعد شهدت تغييرات كبيرة وتطورت إلى محال مبنية من الأسمنت والحديد والأبواب الخشبية”.
وعن الإقبال على محلات العطارة: “رغم الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد، إلا أن الحركة التجارية لا تزال نشطة، حيث يشهد السوق إقبالاً كبيراً من السكان الذين يأتون من القرى والمدن الأخرى لشراء حاجياتهم، لا سيما في مواسم إعداد المؤونة، وفي شهر رمضان المبارك”.
ويكافح العطار لإبقاء مهنته، رغم الأحداث المتتالية في المنطقة والتطور التكنولوجي الذي غيّر معالم السوق.
يُعرف مستو بابتسامته المعتادة في العمل، حتى غدا مقصدا للزبائن: “لم أزاول أي مهنة أخرى سوى العطارة، وعلى مدار 25 عاماً وأنا أعمل هنا، حفظت وجوه المارة وقصصهم، ولديّ زبائن أوفياء يأتونني من قرى الشمال والجنوب ومن كافة المدن الشمالية الشرقية”.