بزنس “تكسير الصخور”.. الشقاء بعينه
على طول الأراضي الزراعية المحيطة بمدينة “ديريك/المالكية” و”كركي لكي/معبدة”، شمال شرق سوريا، تنتشر أكوام متفاوتة الأحجام والأوزان من أحجار البازلت السوداء، فيما تتعالى أصوات مطارق العمال بتناغم على مسامع المارة.
ينفض بشير عمر، 50 عاماً، يديه من الغبار، ويقول لـ”بزنس برس”: “رغم التقدم الصناعي في المنطقة، إلا أننا لا نزال نعمل بشكل يدوي بالمطرقة والأزاميل، ونحاول الحفاظ على هذه المهنة القديمة”.
ورث بشير المهنة من والده، وأمضى ثلاثة عقود ونيفاً من عمره في هذا العمل النادر والشاق، بين صخور ريف منطقته.
ويضيف: “رافقتُ والدي في عمله، منذ أن كان عمري 10 أعوام، واكتسبت منه الخبرة اللازمة، رغم أن العمل لا يكلفك شيئاً أكثر من التعب والمجهود الشخصي، إذ إن الأدوات يدوية وبسيطة، والصخور متوفرة بكثرة في كل مكان”.
يستطرد بشير: “رغم التطور الكبير في معامل الحجر الصناعي والرخام، لكن ما يزال الكثير من السكان يقصدونني ليشتروا مني الأحجار”.
ويعتمد العمل على طلبات الزبائن الذين يتواصلون معه، فهناك مَن يطلب منه 100 قطعة من أحجار البازلت، وآخر يطلب 300، ليقطعها بدوره وفق تصاميم وقياسات مختلفة، حيث يزداد الطلب بعد موسم الحصاد.
يصف بشير عمله بـ”المهنة الشاقة”، ويقول “يمتهنها عدد قليل من الأشخاص الذين يعملون يدوياً”.
وحجر البازلت هو أحد الصخور النارية البركانية، يتميز بصلابته وتحمله للحرارة، ما جعله يدخل في صناعة العديد من الصناعات، لا سيما في البناء والإكساء.
ويؤكد بشير: “عمل أهل هذه المنطقة في الصخور منذ زمن طويل، ووضعوها في أساسيات المنازل وبناء الأسوار والأرصفة، بحكم مقاومتها الشديدة، وعدم تأثرها بالعوامل الجوية، فضلاً عن أسعارها المناسبة، مقارنةً بباقي المواد، ما زاد الطلب عليها في السنوات الأخيرة”.
يسند بشير عمر ظهره على أحد الصخور أحياناً، ويحدث الحاضرين وبعض الأصدقاء في تلك الأراضي الشاسعة عن ذكرياته، عندما كان يصحب أباه في تسعينيات القرن الماضي، لتأمين قوتهم.
يختم بشير حديثه لـ”بزنس برس”: “أصطحب ابني إلى العمل كل يوم ليتعلم مهنة آبائه وأجداده.. ورغم أنها مهنة متعبة وشاقة، إلا أنها مصدر رزقنا الوحيد، ونجد فيها متعة خاصة لا يدركها إلا من كدح بها وأحبها”.