عز الدين الأسواني لـ”بزنس برس”: الرقمنة أتاحت طلب المُنتج الأدبي كـ”بزنس”

يؤكد الشاعر المصري عز الدين الأسواني أن طرق التسويق للمُنتج الأدبي باتت تتخذ اتجاهاً مغايراً عما سبق في ظل التحول الرقمي السريع الراهن، وأصبحت دور النشر تعتمد على المتاجر الرقمية، كما بات بإمكان المستهلك بسهولة طلب المُنتج كـ”بزنس” سواء كان أدبياً أم استهلاكياً، ما يُساهم في توسيع دائرة انتشار هذا المُنتج.

ويشدد الأسواني، في حوار خاص مع “بزنس برس”، على أن أي كلمة مباشرة حالياً في مقال أو تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر وقعاً من معلّقة شعرية، فالنص الأدبي القديم لم يعد قادراً على استيعاب الهم العربي.

وفيما يلي نص الحوار مع الشاعر عز الدين الأسواني:

قصائد الأسواني تجسد البيئة الصعيدية بما تتميز به من قيم قروية وعادات راسخة وتقاليد عريقة.. هل أنت مع الأدب باللهجة المحلية أم بالفصحى؟ وإذا افترضنا جدولاً بيانياً اقتصادياً، فهل برأيك الأدب الصعيدي بحالة نزول أم صعود؟

لنتفق أولاً أن ليس هناك خصوصية لما يمكن أن نسميه “أدباً صعيدياً”، فاللهجة المحكية لمنطقة ما ليست أكثر من وسيط يحمل حدثاً عبر شخوص ناطقة بهذه اللهجة في عملٍ قصصي أو روائي أو مسرحي، أما شعر العامية فهو ليس حكراً على صعيد مصر لنطلق عليه “أدباً صعيدياً”، فهناك شعر العامية بلهجة الفلاحين في الشمال، كذلك الحال بالنسبة للشعر باللهجة العامية العراقية أو السورية أو الشعر النبطي في دول الخليج.

وشعر العامية له جمهوره ومحبيه، على الرغم من محدودية انتشاره كنصٍ مكتوب، فهو يعتمد على الإلقاء لإظهار معاني المفردات التي قد لا يفهمها المتلقي الذي لا يعرف هذه اللهجة، خصوصاً فيما يتعلق بـ”المربعات” أو الرباعيات.

وعموماً، النص الجيد هو الذي يجد طريقه إلى وجدان المتلقي عامياً كان أم فصيحاً، وأنا أستمتع بالكتابة باللغة الفصحى وكذلك العامية، كما هو الحال في رواية “آخر ما قاله النهر”، حيث جاءت العامية، ولكن على لسان الشخوص فقط، على عكس المجموعة القصصية التي كانت باللغة الفصحى فقط.. أما بالنسبة للشعر فهناك نصوص عديدة فيها مقاطع باللهجة العامية وأخرى باللغة الفصحى.

تزامن ظهور أدوات الذكاء الاصطناعي مع خلق نوع جديد من الأدب ويدعى “الأدب الروبوتي”، وحالياً تقدم شركة أمازون أكثر من /200 /كتاب من تأليف الروبوتات باستخدام برنامج (شات جي بي تي) كمؤلف أو مؤلف مشارك، وهذا الرقم في ازدياد كل يوم.. هل تقف مع أو ضد هذا النوع من الأدب؟ وهل من الممكن أن يصبح البديل عن “الأدب الإنساني” في المستقبل؟

لحسن الحظ، أنني لم أقرأ كتاباً من هذه الكتب، وأنا لا أحجر على أي أحد في أن يمارس الكتابة بالطريقة التي يراها، فإذا وَجد “الروبوت” متلقياً له يستمتع بما يكتبه فلا ضير بذلك.

حازت الكاتبة اليابانية ري كودان بداية العام الجاري على أرقى جائزة أدبية في اليابان للمؤلفين الجدد وهي جائرة /أكوتاغاوا/ على روايتها الأخيرة “برج الرحم الأدبية”، ثم اعترفت بأن برنامج الذكاء الاصطناعي التوليدي “تشات جي بي تي” تولّى كتابة نحو 5% من روايتها.. برأيك هل ما فعلته كودان غير جائز من ناحية الأخلاقيات الأدبية أم ممكن أن نقول إنه طالما الموهبة موجودة فلم لا يتم الاستعانة ولو بنسبة معينة بالذكاء الاصطناعي؟

الموهبة الأدبية الحقيقية لا تحتاج إلى عوامل إلكترونية مساعدة، وإذا كان فوز هذه “الكتابة المستعارة” من بين روايات لكتّابٍ مجتهدين فهي كارثة أدبية، ولكن بنفس الوقت ربما يمكن أن نغض الطرف عن مسابقة خاصة لمثل هذه الروايات فيفوز “الأمهر في الاعتماد على التقنية”.

توجه الشاعر نحو المتجر الإلكتروني حالياً أكثر انتشاراً وأسهل وأسرع مبيعاً وربحيةً كـ”بزنس” أكثر من الورقي، وهي نقطة إيجابية بالموضوع، إلا أن النقطة السلبية فيه أنه يمكن أن يتعرض هذا المُنتج الأدبي للتشويه عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل التيك توك (كوضع الشعر خلفية صوتية لمادة معيبة أو مخلة بالآداب).. ألا يقوم هذا التشويه بتدمير عملية البزنس والشاعر معاً؟

على الرغم من أنني لا أثق كثيراً بمواقع التواصل الاجتماعي، وأستعملها بحذر شديد، إلا أنه يمكنني القول إن استخدام الشعر أو المواد الأدبية على مواقع التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، فمن جهة يساهم في تعزيز انتشار المؤلف، ومن جهة أخرى قد يشوه صورة المؤلف لاسيما في حال استخدام الشعر بطريقة غير لائقة أو بشكل خاطئ، وهو ما يعد انتهاكاً لحقوق الملكية الفكرية، وهو ما يؤثر مستقبلاً على صورة الشاعر وأعماله، والتي قد ترتبط في ذهن القارئ بمواقف سلبية، وبالتالي التأثير على عملية البيع والترويج للعمل الأدبي.

ولكن في المقابل، قد تساهم هذه الفيديوهات في حال تم إنتاجها بطريقة احترافية، وتحت إشراف المؤلف في توسيع دائرة انتشار العمل الأدبي، ولدينا الكثير من الأمثلة في هذا الجانب، حيث يوجد هناك العديد من دور النشر والمؤلفين والشعراء والأدباء الذين يعتمدون على مواقع التواصل الاجتماعي في الترويج لأعمالهم، وقد أثبتت هذه الطريقة نجاعتها بسبب الاستخدام الواسع لهذه المواقع التي أصبحت تمثل مصدراً للأخبار والمعرفة أيضاً، إلى جانب ما توفره من جوانب ترفيهية.

إذا افترضنا أنك أردت التوجه نحو البيع الرقمي.. ما خطتك الاستراتيجية لبيع مجموعة قصصية على متجر إلكتروني؟ وهل تجدها مربحة أكثر من البيع الورقي كعملية “بزنس”؟

لم أفكر سابقاً في هذا التوجه، وذلك لاستمتاعي بالكتابة واستخدام الأقلام والورق، وقد يكون ذلك سبباً في عدم توجهي إلى بيع أعمالي عبر أي متجر إلكتروني.. 

ولكن في حال توفرت الفرصة بلا شك أنها ستكون خاضعة للمراجعة والتفكير، وسيكون لها خطة استراتيجية لتوسيع عملية بيع الأعمال الأدبية، بحيث لا تكون مقتصرة على منطقة جغرافية محددة، وإنما تشمل مناطق عديدة وبعيدة.

وأعتقد أن طرق التسويق باتت تتخذ اتجاهاً مغايراً في ظل التحول الرقمي السريع الذي يعيشه العالم حالياً، حيث معظم العلامات التجارية ودور النشر وغيرها بدأت تعتمد على المتاجر الرقمية، وذلك لاتساع انتشارها، وسهولة وصول العلامات التجارية إلى المستهلك..

والعكس صحيح، حيث بات بإمكان المستهلك أن يطلب المُنتج بغض النظر عن نوعيته بضغطة زر، وسيتم إيصاله له إلى باب بيته، وهذه العملية تساهم بلا شك في توسيع دائرة انتشار هذا المُنتج سواء كان أدبي أو استهلاكي.

في ديوانك “يغور الملك” الذي يضم مجموعة من الأشعار والخواطر، رصدتَ بعين الناقد حالات إنسانية ومجتمعية بلغة شعرية محكية قائمة على اللعب بإيقاع الكلمات المتداولة البسيطة قبل تركيبها في مشهد شعري ناقد ومتهكم نوعاً ما، تحت عناوين منها: “وحشاني قولة يا يمة” و”مانيش لاعب استغماية” و”تباريح”.. ما الرسالة الأساسية الجوهرية التي أردت إيصالها إلى قلب القارئ العربي؟ ولماذا؟

من المؤكد أن لكل نص رسالة تكمن بين الحروف وإلا فقدت الكتابة معناها، وكل النصوص نثرية كانت أم شعرية فهي تستهدف المتلقي في أموره الحياتية، والعاطفية، والاجتماعية، والسياسية، وفي الأدب لا يُسأل الكاتب عن قصديته، بل تتم مساءلة النص عن كيفية إيصال القصدية عبر اللغة والفنيات.

في ديوانك الشعري “براويز”، تناولتَ جوانب سياسية واجتماعية في إطار مضمون أو برواز لقضية معينة ذات الفكرة الواحدة.. برأيك هل يستطيع الأديب حالياً إحداث تأثير معين في جيل الذكاء الاصطناعي إزاء القضايا الاجتماعية والإنسانية التي يواجهها العالم العربي؟

هذا السؤال شائك، لكنه لا ينطبق على الجيل الجديد وحده، بل على المتلقي العربي بصفة عامة، غير إن مهمة الكاتب هي طرح القضايا في إطار فني إبداعي، وعلى المتلقي أن يحدد موقفه.. 

وفي إجابة مختصرة وصريحة: أرى أن النص الأدبي الآن لم يعد قادراً على استيعاب الهم العربي، وأن كلمة مباشرة في مقال أو تغريدة على مواقع التواصل الاجتماعي أكثر وقعاً من معلقة شعرية.. 

أما بالنسبة لما كتبتُه من مشاهدات، فقد كان نوعاً من الوفاء لسنوات عانيتُ فيها معاناة شديدة، لكنها في نفس الوقت كانت سنوات جميلة، والمشهد الثقافي كان جانباً من جوانب حياتي اليومية، وأتمنى أن يسعفني الوقت لكي أكمل السيرة والمشاهدات من حيث توقفتُ عند العام 2001.

هل تنصح الشباب العربي المهتم بالآداب عموماً بتأسيس مشروع أدبي إلكترونياً أم ورقياً؟

مَن يمتلك القدرة المادية والمعنوية، يجب أن يعتمد على الاثنين معاً، فمن جهة يحفظ حقوقه في المشروع الورقي، ومن جهة أخرى يساهم المشروع الإلكتروني في توسيع دائرة الانتشار وسهولة الوصول إلى القارئ.

وبغض النظر عن طبيعة المشروع، إن كان إلكترونياً أو ورقياً، يجب على المؤلف الشاب الاهتمام بالدرجة الأولى في جودة المادة أو العمل الأدبي الذي يقدمه، حيث يشكل العامل الأساسي لبناء صورة المؤلف.