محمد العرجوني: “البزنس” هو المحدد الرئيس للنشر والترجمة

يؤكد الشاعر والمترجم المغربي محمد العرجوني، في حوار خاص مع “بزنس برس”، أن الترجمة عملية ممتعة تجعل المُترجم يسبح بين لغتين وثقافتين بعد فهم رموزهما، باعتبار أن كل ذلك أساسيٌ في هذه العملية، فيما تكمن صحة ترجمة الشعر بترجمة أحاسيس الشاعر وليس الدقة بالترجمة بحد ذاتها.. 

أما الترجمة الآلية فهي لا تفي بالغرض، لأنها لا تتمكن من احتواء روح النص، مشدداً على أن التجارة “البزنس” هي المحدد الأساسي بالنسبة للكتاب سواء أكان ورقياً أم رقمياً.

والروائي والشاعر المغربي محمد العرجوني من مواليد 1951، حاصل على الإجازة في اللغة الفرنسية وآدابها بالمعادلة بالمدرسة العليا للأساتذة بنيس (فرنسا)، وهو عضو مؤسس لعدة جمعيات وللمقاهي الأدبية بوجدةَ.

وهو مراسل لعدة جرائد مغربية، صدر له ثلاث روايات بالفرنسية، إحداهن مترجمة إلى العربية، وثلاثة دواوين شعرية جماعية، وسبع ترجمات ما بين رواية وشعر وفكر وتاريخ ومقالات. 

شارك في عدة مهرجانات ثقافية بالمغرب وخارجها، وهو مهتم بأدب المناجم، وحائز على جائزة نعمان للآداب بلبنان عن رواية L’incube سنة 2003.

يُعتبر مترجم DeepL أداة الترجمة الأدق في العالم أكثر من Google Translate، فهو يتميز بالترجمة الآلية العصبية وهي طريقة للترجمة الآلية تستخدم شبكة عصبية صناعية لتوقع احتمالية وجود كلمات متتالية.. أنت مترجم من اللغة العربية إلى الفرنسية والعكس.. أيهما تنصح دارسي الترجمة باعتماده أم ما تزال تفضّل القاموس الورقي للترجمة.. ولماذا؟

لا أعتقد أن الترجمة الآلية تفي بالغرض، قد تساعد ربما في تقريب النص المُراد ترجمته، لكن يستحيل أن تتمكن من احتواء روح النص، لأن الروح لا تدركها إلا روحٌ ثانية، وهو الإنسان المترجم الذي يبدع انطلاقاً من ضبط النص المُترجم لغوياً وثقافياً..

اللغة تعبير عن الأحاسيس خاصةً في الشعور، ولا يمكن إدراكها إلا داخل سياق ثقافي وليس داخل سياق آلي.

وإني لأول مرة أسمع بالمترجم فطلبتُ منه ترجمة قصيدة بالعربية إلى الفرنسية فكانت ترجمة حرفية وكارثة في DeepL بكل المقاييس.. ضحكت، خاصةً انه ترجم كلمة (شعر) في النص الذي يتحدث عن الشعر، يعني أن السياق واضح حيث القصيدة تتحدث عن كتابة الشعر فترجم ب /cheveux/أي الشْعر.

ثمة مَن يقول إن غالبية الشعر الذي يتحاشى الكتب الورقية وجد ضالته المريحة في أحضان الإنترنت، لأن المواقع الإلكترونية والمدونات قادرة على التعامل مع مختلف الأعمال الأدبية والقادرة على الاحتفاظ بالشكل.. ما رأيك؟

في نظري، ليس هناك إبداع يتحاشى الكتب الورقية، لكن أصبحت مسألة النشر والطبع صعبة، لأن الكتاب الورقي لم يعد مريحاً بالنسبة لدور النشر، مع استثناءات قليلة تهم دور النشر العريقة التي تتعامل مع الكتاب ذوي الشهرة، نظراً للمنافسة الشرسة التي تأتيها من قبل النشر الإلكتروني.

هذا من جهة.. ومن جهة أخرى، فإن الكتّاب وجدوا ضالتهم في الفضاءات الإلكترونية التي تُسهل عملية النشر دون حواجز، تلك التي كانت من قبل لا تسمح إلا للمحظوظين، سواءً من لهم معارف بالجرائد أو من لهم انتماءات سياسية، بنشر نصوصهم على جرائد الأحزاب أو مجلاتهم..

وهكذا أصبح الجميع يتمتع بالقدرة على النشر، وربما هذه التسهيلات (التي لها سلبيات طبعاً) إذ نجد نصوصاً لا مستوى لها تساهم في ضمان تراكم مهم، ما يضمن لنا الحق في الاختيار.

دراسة لكلية الأعمال والاقتصاد في جامعة ماكويري بأستراليا أجريت على عينة من ألف كاتب وناشر، وخلصت إلى أن نصيب الكتب المطبوعة يأتي في الصدارة بنسبة 45% بالمقارنة بـ35% للكتب الرقمية أو الإلكترونية، كما أن نسبة الكتب الصوتية أو المسموعة في ازدياد.. برأيك، مَن يتصدر الصدارة والمنافسة حالياً الكتاب الرقمي أم الورقي؟

كما سبق الذكر، هناك طبعاً استثناءات تخص دور النشر العريقة والكتّاب المشهورين، ربما النسبة التي أشرتُ إليها تهمُ هذين الصنفين، أما فيما يخص رأيي حول الصدارة فلا يمكنني الجواب لغياب المعطيات.. 

وبصفة عامة، أعتقد أن السرعة التي نشهدها فيما يخص التطور التكنولوجي، فالكتاب الورقي قد يصبح من الماضي، وقد يشكل سلعة نادرة قد تدخل في مخزونات المتاحف.

لكن ومع ذلك، فقد لاحظنا مؤخراً بعض الكتّاب الشباب الذين يكسبون شهرة عبر المواقع الإلكترونية، ثم تستغل بعض دور النشر هذه الشهرة فتُخرج الكتاب ورقياً فيلاقي إقبالاً، كما حدث مع كاتبة شابة جزائرية مؤخراً.

يستخدم بعض المؤلفين منصات التواصل الاجتماعي للتواصل والوصول لأكبر عدد من القرّاء، فمثلاً كاتبة روايات “هاري بوتر” جي كي رولينغ لديها نحو /15/ مليون متابع على منصة “إكس”.. هل أنت مع تجنيد هذه المنصات لصالح الكتّاب والمثقفين والمترجمين؟

كما سبق الذكر، المنصات الإلكترونية مثلها مثل المواقع قد تُستغل بهذا الميدان، وهكذا تكون استفادة ثنائية ومتبادلة.

دور النشر الورقي قد تستفيد من شهرة الكتّاب على المنصات أو المواقع، كما حصل مع الكاتبة الجزائرية، حيث استفادت دار النشر العريقة /Nathan/ من موقع /Wattpad/ حيث عَرفت الشهرة هذه الشابة قبل أن تتلقفها دار النشر /Nathan/، كما قد تستفيد المواقع والمنصات من شهرة الكتاب الورقي، مثلما حدث مع صاحبة (هاري بوتر)، فالتجارة تبقى هي المحدد الأساسي في آخر المطاف، سواء في الترجمة أو النشر.

ما الضوابط التي تحدد دقة الترجمة ومدى الوثوق بها في عصر فضاء الانترنت والذكاء الاصطناعي؟

فيما يخص ترجمة الشعر مثلاً، أعتقد أن مسألة الدقة في الترجمة لا يمكن طرحها، لأن الدقة في الشعر بنظري فكرة متجاوزة، وتتعلق بالنصوص العلمية أو الفكرية أو الإخبارية.

وبالنسبة إلي، أُرددُ دائماً فيما يخص الشعر؛ إن الشاعر بما أنه يوحي بالأشياء ولا يسميها، حيث تكمن “الشعرية” بترجمة أحاسيسه ولا يمكنه أن يكون دقيقاً في التعبير عنها، وهو يفعل ذلك بما سُمي بلغته الأم، وهذه هي خاصية الشعر، فكيف إذن تطلبُ من مترجم هذا الشعر إلى لغة أخرى أن يكون دقيقاً؟

ما معايير اعتمادك كتاب أو رواية أو قصة عربية لترجمتها إلى اللغة الفرنسية كونه سيكون مرآة عن الثقافة العربية؟

الترجمة بالنسبة إلي دخلتها بشكل مفاجئ، إذ بدأتها بمساعدة بعض تلاميذي في الأدب العربي، حيث كانوا مجبرين على الاطلاع مثلاً على مدارس النقد الحديث بالفرنسية، وهكذا ترجمتُ للبعض منهم بعض نصوص الناقد (رولان بارات)، و(هانس ريبر ياوس) و(تودوروف).. إلخ..

وبعدها ترجمتُ لمفكرين كانوا ينشرون بمجلة “بريد اليونيسكو”، وكنتُ أنشرها بإحدى الجرائد المغربية، ثم ترجمتُ بعض الشعراء والروائيين.. 

لكن، ليست لديّ معايير ولا أعتبر نفسي مسؤولاً عن الثقافة العربية حتى أختار النصوص التي قد تكون /مرآةً لها/، إذ أترجمُ النصوص التي تروقني أولاً، ثم بطلب من أصحابها أيضاً.

الحوار مع الأوراق وطرح الأسئلة وتدوين الملاحظات عليها لها نكهة خاصة لا يعرفها كثير من أبناء هذا الجيل.. هل تقف مع أو ضد هذا الأمر؟ وبما توصي المترجم المبتدئ؟

بكل صراحة. ولو أنني لستُ من هذا الجيل، فأنا من جيل الأوراق والقلم، وأحبذ الكتابة مباشرةً على الحاسوب، لأن له مزايا كثيرة، أحسن بكثير من الكتابة على الورق: المحافظة على ما نكتب، ثم تسهيل عملية التنقيح.. إلخ.

أما فيما يخص ما وصلتُ إليه من خلال تجربتي في الترجمة بدون أن أعتبر ذلك وصية، وهي أن الترجمة ممتعة تجعلك تسبح بين لغتين أو أكثر، وبطبيعة الحال تسبح أيضاً بين الثقافات، إلا أن عملية الترجمة لا تكتفي بالتمكن من اللغتين، وإنما أيضاً بالاطلاع على الثقافتين وفهم الرموز التي تمثل هذه الثقافات التي قد لا ننتبه إليها خلال ترجماتنا..

فمثلاً، ونحن نترجم نصاً شعرياً من العربية إلى لغة أجنبية، فنجد كلمة /الذئب/، هل للذئب أو ابن آوى نفس الحمولة الثقافية التي نجدها في /Loup/ أو /chacal/ مثلاً؟ لهذا لابد من مراعاة الجانب الثقافي لأنه أساسي في عملية الترجمة.

شارك المقال: