زاهي وهبي: الإعلام “بزنس” طغى عليه الإعلان
يقول الشاعر والإعلامي اللبناني زاهي وهبي إن الإعلام تحوّل إلى بزنس، وهذا الأمر سيف ذو حدين، مؤكداً أن مقومات هذا البزنس واضحة يمكن اختصارها بجملة واحدة: طغيان الإعلان على الإعلام.
ويضيف، في حوار خاص مع “بزنس برس”، أن الشعر هو نقيض الاستهلاك، ونقيض الموضة أو الترند، والشعر يذهب عميقاً في معنى الأشياء، وينحاز لهذا المعنى، لا يمكن للشعر الحقيقي أن يصبح نوعاً من الوجبات السريعة.
وينظر زاهي وهبي إلى المرأة كإنسان وكأنثى، ويكتب من هذه الرؤية التي تناصر الإنسان وتحتفي بالأنوثة.
وُلد زاهي وهبي عام 1964 في عيناتا، جنوب لبنان، وفي عام 2005 حصل على الجنسية الفلسطينية، قدمها له الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
درس في كلية الحقوق والعلوم السياسية بالجامعة اللبنانية بالتزامن مع بدء تجربته الصحفية في كل من إذاعة “صوت المقاومة الوطنية” وجريدة “الحقيقة” و” النداء”، قبل أن ينتقل للعمل في “النهار”.
حاور وهبي خلال مسيرته الإعلامية العديد من رواد الفن والأدب أمثال محمود درويش، وسليمان العيسى، والطيب صالح، وسميرة توفيق وغيرهم.. كما حاور العديد من القادة والشخصيات السياسية من خلال برامج استثنائية حازت على العديد من الجوائز والتقديرات، ومارس الكتابة الصحفية في صحف عديدة.
أًصدر وهبي مجموعة من الدواوين الشعرية، منها: “حطاب الحيرة”، (1990)، و”صادقوا القمر” (1992)، و”في مهب النساء” 1998، و” ماذا تفعلين بي” (2004)، وتتبرج لأجلي (2007)، وراقصيني قليلا (2008) و”كيف نجوت” (2009)، و”أضاهيك أنوثة” (2010)، و”تجري من تحتها الأنهار”(2011)، و”لمن يهمه الحب”(2011)، و”تعريف القبلة” (2012)، و”هوى فلسطين”(2013)، وليل يديها (2022)، و”عائد في انتظارات النسوة” (2024).
ولحّن قصائدها وغناها العديد من الفنانين قديماً وحديثاً، وأبرزهم مارسيل خليفة وأميمة الخليل وغيرهم، كما تحولت بعضها إلى لوحات ومجوهرات وأزياء من قبل مصممين ورسامين.
وفيما يلي نص الحوار مع زاهي وهبي:
خلال تجربتك الإعلامية، حاورت أكثر من 4 آلاف شخصية عربية من كافة المجالات.. كيف تقيّم واقع الإعلام العربي؟
للأسف، لا أرى الإعلام العربي في أفضل حالاته. وأسباب التراجع كثيرة؛ منها الإعلام البديل الذي أخذ الكثير من درب الإعلام التقليدي، ومنها التشظيّات التي ضربت الواقع العربي، وحوّلت وسائل الإعلام إلى متاريس وجبهات صراع، ومنها أيضاً الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية في أكثر من بلد عربي فضلاً عن الحروب التي عصفت هنا وهناك..
يُضاف إلى كل ذلك عدم فهم القيّمين على الإعلام للواقع العربي، أو تجاهلهم لهذا الواقع، وإصرارهم على تقديم مادة إعلامية غير جادة وغير مهنية ولا تساهم في تنوير العقل العربي وتطويره. بل عِوَض ذلك ساهمت في تسطيح الوعي وتزييفه، وتجاهلت معظم القضايا الجوهرية التي تشغل بال الإنسان العربي.
كإعلامي وشاعر لبناني، عايشت الحروب والصراعات في بلدك وفي المنطقة، واتخذت مواقف من قضايا مصيرية، برأيك هل الشاعر أو الإعلامي أو المثقف مطالب بالانتماء لإيديولوجيا أو قضية إنسانية أو سياسية؟
أعتبر نفسي إنساناً شاعراً وإعلامياً مستقلاً لا أنتمي لجهة سياسية أو حزبية، لكن هذا لا يعني عدم انتمائي لقضايا وطني وشعبي وأمتي. وأعتبر أن الشاعر خصوصاً والكاتب عموماً لا يستطيع أن يضع لنفسه سقفاً حزبياً أو إيديولوجياً، لكنه في الوقت نفسه لا يستطيع الانفصال عن الواقع وتجاهل القضايا الوطنية والإنسانية. الشاعر الحقيقي هو الذي ينتمي لقضايا الإنسان أينما كان في معزل عن عرقه وجنسه وجنسيته ولونه وعقيدته.
يشهد عالم “البزنس” والاقتصاد تحولات وتغيرات مستمرة، ما قد يؤثر على مستقبل الإعلام ونماذج أعماله.. كيف يمكن لوسائل الإعلام الاستجابة لهذه التغيرات؟
طبعاً على وسائل الإعلام التكيّف مع المستجدات في مختلف مناحي الحياة، وهذا ما يحصل فعلاً، حيث نلاحظ اليوم أن ما يسمى الإعلام المتكامل أو الـ multimedia بات هو الأكثر انتشاراً بفعل الأجهزة الذكية التي تزداد تطوراً وتوسعاً. وكلما فهم القيّمون على وسائل الإعلام المتغيرات كلما استطاعوا الاستجابة لها.
هل تحول الإعلام إلى “بزنس”.. وما مقومات هذا البزنس؟
نعم تحوّل إلى بزنس، وهذا الأمر سيف ذو حدين؛ لأن طغيان منطق الربح على كل ما عداه يفرّغ الإعلام من مضامينه الإنسانية ويحوله مجرد عمل تجاري لا همّ له سوى الكسب المادي. ومقومات هذا البزنس واضحة يمكن اختصارها بجملة واحدة: طغيان الإعلان على الإعلام!
هل ولّى عصر الاتجاهات والمدارس الشعرية في زمن الريلزات والثقافة الاستهلاكية؟ إلى أي تيار شعري تنسب تجربتك الشعرية؟
لقد اختلط الحابل بالنابل، ولم يعد هناك من معايير أو مقاييس أو مرجعيات. الحبل على غاربه، والاستهلاك هو الطاغي. علماً أن الشعر هو نقيض الاستهلاك، ونقيض الموضة أو الترند، الشعر يذهب عميقاً في معنى الأشياء، وينحاز لهذا المعنى، لا يمكن للشعر الحقيقي أن يصبح نوعاً من الوجبات السريعة.
لا أنسب شعري إلى أي تيار أو مذهب شعري. صحيح أنني أكتب القصيدة الحرّة، لكنني أكتبها وفق رؤيتي وأسلوبي. الفكرة أو المضمون يتقدم عندي على الشكل، ثم تأتي الصورة الشعرية التي أرى أنها ينبغي أن تكون جديدة ومبتكرة لأن أسلافنا لم يتركوا شيئاً لم يقولوه.
لذا علينا أن نقول الأشياء على طريقتنا ووفق إيقاع عيشنا والعصر الذي نحيا خلاله. كلما اقترب الشاعر من ذاته بصدق ونزاهة كلما اقترب من الآخر.
انحيازك للمرأة في قصائدك ونصوصك الأدبية لاسيما القديمة منها، والتي يعود بعض منها لأكثر من ثلاثة عقود، كإنسان ومثقف يؤمن بالمرأة ويناصر قضاياها، كيف تنظر لواقع المرأة في العالم العربي؟
الانحياز للمرأة جزء عضوي من تركيبتي النفسية والشعرية. لا يمكن للشاعر الحقيقي إلا أن يكون في صف المرأة، خصوصاً متى كانت هذه المرأة مضطهدة ومظلومة كما هو الحال في كثير من المجتمعات.
أرى إلى المرأة كإنسان وكأنثى، وأكتب من هذه الرؤية التي تناصر الإنسان وتحتفي بالأنوثة. الأنوثة أهم منابع الإلهام بالنسبة لي. أؤمن بأنوثة الوجود، وبأن الأنوثة تقود العالم إلى أعلى.
أما واقع المرأة عربياً فهو متفاوت ومتناقض. في بعض المجتمعات العربية استطاعت المرأة أن تحصّل بعضاً من حقوقها لتصبح تلك الحقوق قوانين مرعية الإجراء كما في تونس على سبيل المثال، وفي بلدان عربية أخرى استطاعت الوصول إلى النيابة والوزارة والمناصب المختلفة، لكن على مستوى القوانين والتشريعات ما نزال نحتاج إلى الكثير الكثير كي نشعر بالرضا.
ما الرسالة التي يمكن أن توجهها للأوساط الثقافية والإعلامية؟
الإعلام ليس مجرد مهنة. الإعلام رسالة وليس الأمر مجرد شعار أو كليشيه. الإعلام هو الأكثر تأثيراً في الناس والمجتمعات، لذا على الإعلامي أياً كان موقعه ومجاله أن يتحلى بالنزاهة والصدق، وأن يساهم في بث الوعي والمعرفة.
ومن المهم جداً أن يعمل كل واحد منا على تثقيف نفسه وتطوير تجربته والاطلاع على ما يدور في مجتمعه وفي العالم أجمع. الإعلام وسيلة وليس غاية.
الشهرة بحد ذاتها لا تعني شيئاً، يمكن للصٍّ أن يكون مشهوراً، لقاتل متسلسل، لمسؤول فاسد أو لغانية. المهم كيفية الشهرة ومضمونها، والأفضل في نظري من يوظف شهرته لتنوير الفرد والجماعة ما استطاع إليه سبيلاً.