“المنحة المالية” للموظفين.. هل تؤثر في الاقتصاد السوري؟

على الرغم من مرور أكثر من أسبوعين على المرسوم الرئاسي الذي أصدره الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع، والقاضي بصرف منحة مالية للموظفين بمقدار أجر شهر كامل مهما اختلف هذا الأجر بين المؤسسات أو الفئات الوظيفية، إلا أنها لم تُصرف لكل الجهات العامة، ما يثير تساؤلات جمة بين الأوساط الاقتصادية.

وتؤكد نور حيدر، موظفة في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، أن راتبها حتى الآن كما هو ولم تضف له المنحة، على عكس قطاع التربية، الذي أكد موظفوه لموقع “بزنس برس” أنهم قبضوا رواتبهم مضافاً لها المنحة المالية دون نقصان.

وأثارت هذه المنحة تبايناً، بين من رآها فرصة مهمة لتحريك الأسواق بعد الركود الذي أصاب البضائع السورية إثر انتشار المنتجات التركية والأجنبية في الأسواق، وبين من لم يجد فيها أي أثر يذكر، وله أسبابه في ذلك.

تحريك عجلة الاقتصاد

يبدو محمد الحلاق، عضو غرفة تجارة دمشق من الفريق الأول، متفائلاً من صرف المنحة، ويرى أن “تداول النقد في السوق بكثرة يولّد عملية بيع وإنتاج وترويج، ويحقق معادلة العملية المتكاملة”.

وبرأيه “هي دائرة مكتملة؛ فبمجرد حركة الأسواق، يصبح النقد متداولاً بين المستهلكين، لأن تحرك الأسواق يحقق وفورات في الإنتاج والاستيراد والمواد، الأمر الذي يؤدي إلى حركة البضائع”.

محمد الحلاق
محمد الحلاق

يقول الحلاق: “تبدأ الدائرة عندما يطلب المستهلك المنتج من منافذ المفرق، وتاجر نصف الجملة يطلب المنتج من تاجر الجملة. وبالتالي، تاجر الجملة يطلب المنتج من المعمل، والمعمل يطلب مواداً أولية إما مستوردة أو معدة للبيع جاهزة. إذاً، هذه العملية تؤدي لتحريك عدة حلقات، وبالتالي فهي تخلق عملاً”.

ويضيف أن “وجود كتلة نقدية بين يدي المستهلك، يساهم بشكل كبير في تحريك عدة حلقات، وإعادة نشاط الفعاليات، وبالتالي يتوفر المال بأيدي هذه الجهات أو الفعاليات.. إذاً، النتيجة هي أن المنحة تؤدي لتكامل العمل وتحريك الأسواق بشكل أو بآخر”.

ويتحدث عضو غرفة تجارة دمشق في المشهد المعاكس؛ أي في حال عدم صرف المنحة، وعدم وجود هذا النقد بين يدي المستهلك، ويقول إن “عملية تغذية البضائع من منافذ الجملة لمنافذ المفرق تتوقف، وفي ظل عدم وجود بيع ينخفض الإنتاج وبالتالي تنخفض الرواتب، ومن الممكن أن يكون هناك تسريح عمال لتخفيف النفقات”.

ولذلك يؤكد أن “الاقتصاد بحاجة لوجود نقد بين يدي المستهلك ليكون قادراً على الشراء وتحريك الأسواق”.

المشكلة في البسطات

يطرح الحلاق المشكلة التي يعاني منها التجار وأصحاب المحال التجارية في الأسواق السورية، وهي انتشار البسطات بشكل كبير جداً، الأمر الذي وصفه بـ”الظاهرة السلبية والخطيرة على الاقتصاد”.

ورغم تأكيده أن هذه البسطات ترفع عن كاهل المجتمع عبء العاطلين عن العمل، إلا أنها من جهة أخرى مؤذية للأسواق التجارية التي تعاني من ضرائب ورسوم وأعباء وأجور عمال ومحال وكهرباء وماء، وغيرها.

ويدعو الحلاق لـ”خلق توازن في الأسواق؛ بحيث تتواجد البسطات في بعض الأحيان وفي أسواق معينة معدة لها، وتبقى للأسواق خصوصيتها وجماليتها وشروط العمل فيها”.

ولا ينكر الحلاق أن “للبسطات زبائنها ومرتاديها، لكن بالمقابل فالمحال التجارية لها زبائنها وروادها أيضاً ولا يجوز إلحاق الأذى بطرف لمصلحة الطرف الآخر”، كما يقول.

ويبين الحلاق أن “المطلوب حالياً هو خلق منظومة تجارية حقيقية واضحة تخدم الطرفين، بحيث تكون البسطات في مدينة المعارض القديمة مثلاً أو أماكن بمساحات واسعة، لا أن تتواجد في الأسواق التجارية، كون وجودها يسبب انكماشاً في الأسواق”.

ويطالب بـ”ألا يتم النظر للبسطات بمنظور اجتماعي، من خلال تأمين فرصة عمل لشخص عاطل عن العمل، بل النظر للأسواق بالصورة الكاملة لمعرفة مدى الانكماش الاقتصادي”.

تأثير اقتصادي صفر

وفي سياق معاكس، لا يظهر الصناعي والخبير عاطف طيفور بمظهر المتفائل، إذ لا يرى أي جدوى اقتصادية محققة من الزيادة المذكورة، فالناحية الاجتماعية ممتازة لدعم الفئة المستهدفة منها.

ويعلل رأيه في أن “حبس النقد بالأسواق جمد كل السوق والإنتاج، والمنحة صُرفت فقط باتجاه الغذاء، علماً أن النسبة الأكبر من هذا الغذاء هو تهريب ومستوردات عشوائية؛ أي لا يوجد أي انعكاس على الكساد ولا على ارتفاع نسبة الإنتاج ولا حتى على التضخم وسعر الصرف”.

عاطف طيفور
عاطف طيفور

ومع أن شعار المرحلة هو “الاقتصاد الحر”، إلا أن طيفور يؤكد أن “الاقتصاد السوري اليوم أصبح اقتصاداً عشوائياً، لذا خرجت سوريا عن نظريات الاقتصاد”، برأيه.

ويشدد على “استحالة أن تذهب أموال المنحة باتجاه الملابس أو أية كماليات أخرى، لأن الضائقة المالية التي عانى منها الموظفون ستجعلهم يفكرون بقوت يومهم فقط، أي أن الغذاء هو المستهدف الأول من الشراء”.

ويضيف: “لو افترضنا أن قسماً صغيراً منها ذهب باتجاه الألبسة، فإن هذا الأمر يؤثر أيضاً في ظل تراجع الصناعة السورية ومنافسة الأجنبي والبالة المنتشرة في الأسواق”.

وعلى الرغم من تشاؤمه، لكنه يؤكد أن “هناك عدة إجراءات قد تكون قادرة على إعادة الحياة للصناعة فيما لو قامت بها الحكومة، منها تخفيض تعرفة الكهرباء للصناعيين، وتزويد المناطق والمدن الصناعية بالكهرباء بدون تقنين”.

وينوه طيفور، في ختام حديثه لـ”بزنس برس”، إلى أن “الخطوة الأولى في التحسن الاقتصادي تتمثل في مكافحة البطالة، فهي مقياس كل المعادلات الاقتصادية، والدرجة الأولى في سلّم التحسن الاقتصادي، كما أن نسبة التسريح في القطاع العام أولاً والقطاع الخاص ثانياً كبيرة جداً، والبطالة أصبحت مخيفة خاصة في ظل إغلاقات يومية للمنشآت والمعامل والمحال التجارية”.

المزيد من الفيديوهات عن الاقتصاد السوري في “بزنس برس”: