“تفاؤل حذر”.. الاقتصاد السوري بين الممكن والمأمول
يتفاءل المحللون الاقتصاديون عند الحديث عن مستقبل الاقتصاد السوري؛ فبعد مرور شهر على سقوط نظام الأسد، شهدت عدد من السلع والمواد الغذائية انخفاضاً واضحاً لمسه المواطنون، إضافة إلى انخفاض سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية ووصوله لـ13 ألف ليرة سورية، بحسب نشرة مصرف سوريا المركزي.
لكن هذا التفاؤل لا يخفي حقيقة أن أمام الاقتصاد حوالي عقداً كاملاً ليستطيع بعدها النهوض والعودة إلى ما كان عليه قبل عام 2010، حيث كانت مستويات الاقتصاد على أعلاها، بحسب خبراء الاقتصاد.
ويرى الخبير الاقتصادي الدكتور علي المحمد، أن الاقتصاد السوري تراجع خلال 14 عاماً بشكل كبير، ولم يحقق أي معدلات للنمو باستثناء نسب ضئيلة جداً، إضافة إلى انخفاض حجم الناتج المحلي الإجمالي.
وتوقع محمد، في تصريح خاص لـ “بزنس برس”، أن سوريا تحتاج لحوالي 7 أو 8 سنوات، لتعود إلى ما كانت عليه في عام 2010 اقتصادياً.
أضرار جسيمة
أما التحديات التي تقف أمام حكومة الإنقاذ أو الحكومة المؤقتة فهي، بحسب علي المحمد، كثيرة، أولها المستوى المعيشي للمواطن وللأسر السورية التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي بنسبة كبيرة منها والفقر والأجور المتدنية.
هذا إضافة إلى تحدي إعادة إعمار البنى التحتية اللازمة للبند السابق المطلوب تحقيقه للإنتاج، خاصة أن الضرر أصاب 30 إلى %50 من شبكات المياه والاتصالات، إضافة لضرر جزئي في المؤسسات التعليمية والصحية، وتعرض حوالي 10 إلى %15 منها لدمار كامل، عدا عن الطرق والجسور، وبالتالي فإن الاستثمار في البنى التحتية أمر هام جداً.
ويضاف للتحديات السابقة، تحدٍ آخر يذكره المحمد وهو متعلق بإعادة إعمار المباني والمناطق العمرانية المتضررة سواء كانت سكنية أو تجارية، وتحدي تأمين موارد دائمة مستدامة لتلبية الحاجات اليومية على مدار السنين المستقبلية وبالأخص بعد عودة عدد لا بأس به في الفترة الأولى من اللاجئين السوريين من تركيا وغيرها من الدول، فهذه العودة ستعيد تفعيل دورهم في الاقتصاد الوطني وفي الحياة الاجتماعية ولكن ذلك يتطلب توفير البيئة المناسبة لعودتهم سواء كانوا أفراداً أو مستثمرين.
رفع العقوبات
ولضمان تخطي كل هذه العراقيل، فإن على الحكومة الحالية أن تقوم بتهيئة البنية التسريعية والقانونية لها خلال الفترة القريبة والقصيرة القادمة، وأن يترافق ذلك مع الدعوات والمناداة والتوصيات برفع العقوبات على سوريا لما لها من أثر كبير على كل ما ذكر سابقاً، فالعقوبات تقيد الإنتاج وإعادة الإعمار وتحقيق موارد التنمية، وتقيّد كل ما له علاقة بتفعيل وعودة الاقتصاد إلى سابق عهده.
ومع رفع العقوبات يمكن لنا أن نضيف التحدي الآخر الذي هو ربما قاب قوسين أو أدنى من التحقق وهو عودة مناطق شرقي الفرات ضمن سوريا الواحدة الموحدة الجديدة، وما يعني ذلك من عودة الموارد الطبيعية سواء المشتقات النفطية أو المواد الغذائية والقمح بشكل أساسي.
ويبدو المحمد متفائلاً بتوجه الحكومة الجديدة لاقتصاد السوق الحر والسماح للجميع بالاستثمار والإنتاج والتصدير وزيادة المنافسة فذلك من شأنه تحفيز المستثمرين الموجودين داخل سورية وخارجها على حدٍ سواء.
قواعد التحول
ويشجع الخبير الاقتصادي الدكتور رازي محيي الدين، الانفتاح الاقتصادي والتنافسية، فذلك، برأيه، يشجع على الاستثمار وعودة الأموال ورجال الأعمال والكفاءات وتطوير الصناعة وتحسن الطلب.
لكنه بالمقابل يضع شروطاً أو قواعد كما أسماها لنجاح هذا التحول، والتي يؤدي عدم تطبيقها إلى تحول نحو الانهيار الاقتصادي، وأهم قواعد التحول السماح بالاستيراد مع عدم منع استيراد أي مادة، ووضع رسوم استيراد تشكل إيراداً للحكومة وتساعد الصناعة المحلية على المنافسة.
إضافة إلى عدم إلغاء الجمارك مع أي دولة إلا بالتعامل مع المثل، ويكون ذلك بدراسة اقتصادية، يوازيه دعم للصناعة المحلية بمزايا عديدة من وقود وإعفاءات ورسوم مخفضة.
ويؤكد الدكتور محيي الدين على ضرورة تطوير قطاع الأعمال المحلي الصناعي وتحسين الجودة وضبط التكاليف وتحسين التسويق، وتوسعة الأسواق وزيادة الأجور وبالتالي تحسن الطلب على كل من المنتج المحلي والأجنبي، والأهم من ذلك كله توعية المجتمع لأهمية شراء المنتج المحلي.