“بزنس شاق”.. “صخرة سيزيف” الكاموية لا تزال تُثقل ظهورنا

هو ذلك الفيلسوف الذي يخلط بين الحقيقة والمعرفة، بين الحلم والأمل، بين الموت والإنسان. وكونه كان وجودياً، فمن الطبيعي أن تسيطر النزعة التمردية على مجمل أعماله، فألبير كامو المولود في الجزائر شهد بعينيه جميع التحولات السياسية والاجتماعية والفكرية.

فها هو في كتبه يعلن رفضه للاحتلال الفرنسي للجزائر الذي استمر مائة واثنين وثلاثين عاماً (1830- 1962)، وبعد أن سكن حياً شعبياً متواضعاً استطاع توصيف الأمكنة ببراعة مدهشة..

ومن هنا نلاحظ غلبة البيئة المكانية أو المكان الروائي على مجمل التفاصيل في تعبيراته، وجاء توظيفه معبّراً عن النظرة التشاؤمية الحادة للكاتب في أوجه الحياة المختلفة.. جاءت هذه التلميحات في كتابه الشهير “الصيف”.

يجب الاعتراف بأن كامو روائي وفيلسوف ومسرحي فرنسي، لذا، من الطبيعي أن يخلط بينها في خواطره الفلسفية التي كتبها هنا، فهو لم يبتعد كثيراً عن كونها تعتمد على لغة شعرية عقلية وحالات سردية مختلفة باختلاف الحالات النفسية.

وباعتبارنا قلنا إنه فيلسوف، فهو يستخدم الصور البلاغية بدلاً من المصطلحات الفلسفية المعقدة وهذه نقطة تميزه عن زملائه الآخرين.

صحيح أن هذه الخواطر – غالباً – ما تتحدث عن لحظة مأزومة، إلا أنها في الواقع لم تخل من أبعادها الفكرية المتشعبة، ففي الوقت الذي أطلق البعض على كامو اسم “الكاتب المتوسطي”، جاءت أفكاره متوسطية أسوة بالفكر اللاتيني المنتشر حينئذ.

هذه المتوسطية كانت واضحة من خلال وصفه للبحر المتوسط في مواطن كثيرة، هذا الوصف لم يخل من حميمية تجعله منتمياً حتى العظم إلى البحر انتماءً أدبياً وعضوياً، رغم أن المتوسطية لم تؤثر على علاقة كامو بالبحر فقط كجزء من كينونته بل تعدت تلك العلاقة إلى فلسفته القائمة على الأضداد، فهو دائماً يتحدث عن جانبين مثل الليل والنهار أو الشمس والماء أو الفقير والغني..

“صخرة سيزيف” التي أشار إليها كامو في رواياته، ما هي إلا دليل على مدى معاناة الإنسان في الحياة، فكلما حمل الحجرة كلما كانت ثقلت، وصار من الصعب حملها مجدداً، وما إن تقع حتى يحملها ثانية وهكذا.. إنها تماماً مثل أي “بزنس” شاق في الحياة.

ومادام ألبير كامو وجودياً، فليس من المستغرب ملاحظة نوع من العبثية في ترتيب أفكاره، هذه العبثية اعتمدت على بناء منظم في أحايين عدة، فهو تارة يتحدث عن حي شعبي في الجزائر وينتقل ليبرز عضلاته في التفلسف ثم يتحفنا بصوره الأدبية، وهكذا حتى تصل الخاطرة إلى مرحلة الإشباع والامتلاء الفكري والأدبي والنفسي.

وهذه العبثية لازمت الوجوديين، فمزج كامو بين العقل والحرية، وجاءت مقالاته وخواطره مشغولة بعناية فائقة ومدروسة من كافة الجوانب، وهذه النصوص الفكرية تحتاج بالطبع لمجهود فكري حتى يتم استيعابها.

ألبير كامو الذي سكن في حي شعبي فقير في الجزائر، نال جائزة نوبل للآداب عام (1957)، إذ لم يكن متمرداً فقط بقدر ما ألهمه التمرد ليصبح فيلسوفاً فرنسياً مشهوراً جمع التوتر والاستقرار رغم سيطرة التوتر.