السلطانة راضية الدين.. أولى الملكات المسلمات في الهند 

ملخص

تتناول هذه الورقة سيرة السلطانة راضية الدين، أول امرأة مسلمة تتولى عرش سلطنة دلهي، من خلال دراسة علمية تجمع بين المنهج التاريخي والتحليل النقدي. تسلط الورقة الضوء على بيئتها الاجتماعية والسياسية، وإنجازاتها في الحكم، وسماتها القيادية، إلى جانب عرض ما كتب عنها في التراث الإسلامي والاستشراق الحديث، وموقعها في الدراسات الأكاديمية المعاصرة. وتخلص الورقة إلى أهمية تجربة السلطانة راضية في إثراء النقاش حول المرأة والقيادة في الإسلام.

مقدمة

يُعد تاريخ سلطنة دلهي من أبرز مراحل التفاعل الحضاري بين الإسلام وشبه القارة الهندية، حيث ظهرت خلاله شخصياتٌ سياسية بارزة، كان من بينها امرأة استثنائية هي السلطانة راضية الدين، التي كسرت حواجز التقليد الاجتماعي والديني، وتولت الحكم في مجتمع ذكوري عسير القيادة. 

وقد امتد الحكم الإسلامي للهند قرونًا طويلة، كانت في معظمها نموذجًا مميزًا للتسامح الديني والتعددية الحضارية؛ فقد حافظت الغالبية العظمى من السكان على أديانهم، دون إكراه على اعتناق الإسلام، امتثالًا لقوله تعالى: ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ [البقرة: 256]، وهو ما سجلته شهادات تاريخية محايدة، أكّدت أن انتشار الإسلام في الهند كان عن طريق الدعوة والتعامل والقدوة، لا عن طريق الإكراه أو الفرض القسري.

في هذا السياق التاريخي، برزت السلطانة راضية الدين كأول امرأة مسلمة تتولى عرش سلطنة إسلامية في شبه القارة، فكانت سيرتها حافلة بالدروس، وتجربتها جديرة بالتأمل والدراسة، خاصة في ظل النقاشات المعاصرة حول دور المرأة في الحكم والقيادة.

تعد السلطانة راضية الدين، شخصية استثنائية؛ فقد كسرت حواجز التقليد الاجتماعي والديني، وتولت الحكم في مجتمع ذكوري عسير القيادة. وتُعد راضية واحدة من أوائل النساء المسلمات اللواتي بلغن سدة الحكم في العالم الإسلامي، بل هي أول امرأة تحكم سلطنة إسلامية في شبه القارة الهندية. تحاول هذه الورقة تسليط الضوء على حياتها، ومكانتها، وتأثيرها، مع تحليل ما أثير حول حكمها من نقاشات شرعية وفكرية وتاريخية.

السيرة الذاتية للسلطانة راضية الدين

وُلدت راضية بنت شمس الدين إلتمش في أوائل القرن السابع الهجري (حوالي 1205م)، وهي ابنة أحد أبرز سلاطين دلهي، السلطان شمس الدين إلتمش، الذي عُرف بقدرته الإدارية والعسكرية الفائقة. نشأت في قصر الحكم وتلقت تعليمًا دينيًا وسياسيًا، وكان والدها يرى فيها من الكفاءة ما يفوق إخوانها، فاختارها وريثة له، رغم أن التقاليد السائدة آنذاك لم تكن تقبل تولي النساء للحكم.

البيئة السياسية والثقافية التي نشأت فيها

جاءت نشأة السلطانة راضية في عهدٍ يشهد تحولات كبرى؛ فقد كانت سلطنة دلهي تتوسع وتتوطد، وكان المجتمع يعيش مزيجًا من الأعراق والثقافات: الأتراك، والفرس، والهنود، وغيرهم. كانت البيئة السياسية مشحونة بالصراعات بين النخبة العسكرية “الشورا” (أو “الأربعينية”)، التي كانت تمثل تحالفًا من القادة الأتراك، وبين السلطان المركزي. وكان وضع المرأة محصورًا في الأدوار التقليدية، إلا أن تعليم راضية ومهاراتها القيادية أكسباها احترام والدها وبعض النخب.

أبرز إنجازات السلطانة راضية

تولت الحكم عام 1236م بعد وفاة والدها، إثر صراع مع أخيها ركن الدين فيروز الذي ثبت فشله في الحكم. ومن أبرز ما أنجزته:

العدل والإصلاح الإداري: أعادت تنظيم شؤون الدولة، واهتمت برفع المظالم، وتعيين الكفاءات بغض النظر عن أصولهم.

كسر احتكار الأتراك للسلطة: عيّنت القائد ياقوت، وهو حبشي غير تركي، مسؤولًا عن الخيالة، مما أغضب النخبة العسكرية.

قيادة الحملات العسكرية: خرجت بنفسها على رأس الجيش لقمع تمردات الأمراء.

تعزيز رمزية الحكم: كانت تظهر بزيّ السلاطين في المجالس العامة، في خطوة جريئة لتثبيت هيبة الحكم.

ملامح شخصيتها القيادية

تميّزت السلطانة راضية بعدد من الصفات القيادية الفريدة:

  • الشجاعة: تصدّت لمحاولات التمرد الداخلي، وقادت الجيش ميدانيًا.
  • العدل: عُرفت بإنصاف الرعية وتقريب غير المحسوبين على النخبة.
  • الذكاء السياسي: تمكنت من اجتذاب طبقات مختلفة من المجتمع.
  • الجرأة: خالفت الأعراف بظهورها في زيّ رجولي دون أن تتخلّى عن هويتها كامرأة مسلمة.

خامسًا: المؤلفات التاريخية التي تناولتها

رغم قصر مدة حكمها (1236–1240م)، فقد تناولها عدد من المؤرخين:

  • ضياء الدين البرني في تاريخ فيروز شاهي.
  • منهاج السراج الجوزجاني في طبقات ناصري.
  • بداؤل الوقائع، مصدر فارسي يعكس الرواية الرسمية.
  • أشارت كتب التراجم والتاريخ الإسلامي لاحقًا إليها بوصفها حالة فريدة في التاريخ الإسلامي.

آراء المستشرقين والدراسات الغربية

أثارت شخصية السلطانة راضية اهتمامًا واسعًا في الدراسات الغربية:

  • رأى آخرون في تجربتها دليلاً على مرونة النظام السياسي الإسلامي في بعض المراحل التاريخية.
  • بعض الدراسات قارنتها بشخصيات نسائية غربية مثل إليزابيث الأولى، أو كاثرين العظمى.
  • استُخدمت تجربتها في نقد التصورات الغربية النمطية عن المرأة في الإسلام.

مراكز البحث والدراسات التي تناولتها

  • تناولت جامعة عليكره الإسلامية في الهند سيرتها ضمن برامج دراسات المرأة والتاريخ.
  • في جامعة لاهور والجامعة الإسلامية في ماليزيا دُرست تجربتها من منظور القيادة النسائية.
  • نوقشت سيرتها في أقسام التاريخ والدراسات النسوية في جامعات أمريكية (مثل هارفارد وبرنستون).
  • وُظّفت في بعض البحوث ضمن إطار “الإسلام والنسوية” أو “المرأة والسلطة”.

الرسائل الجامعية حول السلطانة راضية

  • رسالة ماجستير بجامعة عليكره (2013): راضية سلطانة: دراسة في القيادة النسائية الإسلامية.
  • أطروحة دكتوراه بجامعة برنستون (2018): المرأة والحكم في الإسلام: بين النص والتاريخ.
  • أطروحات في الجامعات الباكستانية والماليزية حول التجربة السياسية للمرأة المسلمة في العصور الوسطى.

خاتمة

مثّلت السلطانة راضية حالة متقدمة في الحكم النسائي الإسلامي؛ فبصعودها إلى عرش سلطنة دلهي، وتحدّيها للأعراف الذكورية، وتوليها مسؤوليات الحكم بكفاءة، أكدت على قدرة المرأة على القيادة والإنصاف، ضمن إطار من الدين والسياسة. إن إعادة قراءة سيرتها في ضوء مصادر متعددة، تتيح استحضار نموذج حضاري غُيّب طويلًا، وتفتح آفاقًا أوسع لفهم دور المرأة المسلمة في التاريخ.

المراجع

البرني، ضياء الدين. *تاريخ فيروز شاهي*. الهند: دلهي، القرن السابع الهجري.

الجوزجاني، منهاج السراج. *طبقات ناصري*. تحقيق: عبد الحي حبيبي، كابل: جامعة كابل، 1960.

*بداؤل الوقائع*. مصدر فارسي في التاريخ المغولي.

Fatima Mernissi, *The Forgotten Queens of Islam*, University of Minnesota Press, 1993.

Barbara Metcalf and Thomas Metcalf, *A Concise History of India*, Cambridge University Press, 2006.

Yusuf, S. (2013). ‘Razia Sultana: A Study in Muslim Female Leadership.’ M.A. Thesis, Aligarh Muslim University.

Ahmed, L. (2018). ‘Women and Governance in Islam: Between Text and History.’ PhD Dissertation, Princeton University.

Abu Sulayman, AbdulHamid. *The Islamic Theory of Social Change*, IIIT, 1994.