Featured Video Play Icon

“خفايا” بزنس السحر والشعوذة وقراءة الكف (فيديو)

بدأ الأمر بعرض مغر من امرأة أربعينية بزي شعبي بسيط، قراءة كف يدي مقابل مبلغ مالي زهيد (5000 ليرة تقريبا / أقل من نصف دولار)، وانتهى بعرض سخي أيضاً فك السحر الذي يوقف رزقي من الأموال ونصيبي من الرجال مقابل 150 دولاراً، في سوريا.

تحت خدعة فك السحر المعقود والمدفون والمعلّق والمرشوش والمأكول والمربوط، وخلسة عن أعين رجال الأمن العام، الإدارة الجديدة ذات التوجه الإسلامي، تلتقط العرافة سعاد (اسم مستعار) زبائنها بعناية من المتنزهين على كورنيش طرطوس غرب سوريا.

تدّعي (سعاد) أن أصولها مغربية وأنها تلقت علومها هناك من أجدادها في أرض السحر كما يعتقد كل من يعيش في المشرق العربي. تقول “أنا عرّافة ولست مشعوذة، لا أقوم بأعمال السحر لإيذاء أحد بل بوقف الإيذاء والشر لمن وقعوا ضحية لطقوس السحرة”.

بزنس بيع الأوهام 

تستدرج سعاد عادة ضحاياها من اليائسين بسحر بسيط، أنواع من البقول الجافة تضعها بين أيديهم وتقرأ عليها كلمات غير مفهومة وطلاسم ثم تطلب منهم أن يرموها في البحر بعد أن تزهر “بطريقة غير مفهومة”، معلنة بذلك قرب انتهاء مشكلاتهم المالية والعاطفية والصحية لكن شريطة “تبييض الفال”، وهو مبلغ من المال لا يقل عن 10 دولارات. 

ورغم تشديد الخناق أمنياً على أعمال الشعوذة في كنف حكم جديد يحرم مثل هذه الممارسات، تؤكد سعاد أن عناصر من الأمن العام استعانوا بها سراً لقضاء حاجاتهم حسب اعتقادهم. تقول “أحدهم أعطاني 500 ليرة تركية، وآخر 200 دولار، لقاء قراءة الكف وكشف الودع وكمقابل لعشبة (عين العفريت) والتي تستخدم عادة كبخور”.

تبيع سعاد الأوهام بالزواج والإنجاب والرزق كما تبيع البخور والأعشاب وأعضاء الحيوانات، وهذه الأخيرة تُباع بأثمان جيدة، لأن الحصول عليها حسب قولها ليس بالأمر السهل “شعرة من العضو التناسلي لأنثى الضبع على سبيل المثال ثمنها لا يقل عن 200 دولار وهذه مجربة وخصيصا لاستعادة حب الزوج ومنعه من الزواج بأخرى”.

وهناك أعضاء أخرى ولكن بثمن أغلى، مثل مخ الضبع ودمه وجلده وهذه “تستخدم لفك السحر الأسود”، كما تقول سعاد “بعض أنواع السحر الأسود يمكن التخلص منها بحرق بعض أنواع الأعشاب ولكن هناك سحر مربوط وهو أصعب أنواع السحر ونحتاج فيه إلى عيون الضبع أو دمه”.

لكن ما هو مباح لتمارسه وتكسب منه سعاد في طرطوس ذات الأغلبية العلوية قد يكون محلاً للتجريم والعقاب في مجتمع آخر وبنفس الزمن كما في درعا جنوب سوريا، حيث سجل مكتب التوثيق في “تجمع أحرار حوران” وهو تجمع شعبي العثور على 6 جثث لأشخاص قتلوا ووضعت أوراق على جثثهم تحمل عبارة “هذه نهاية كل ساحر” وذلك منذ مطلع 2022 وفي مناطق كانت تتبع لسلطات الأمر الواقع.

تسويق اقتصادي وإعلامي

بزنس “الشعوذة” والقائم على استغلال حاجة الناس لمعرفة مستقبلهم واللعب على وتر الراحة النفسية باختلاق الأكاذيب، يستمد سلطته وحضوره القوي من كلمة “السحر” ذلك العنوان المبهم المتجذر بالوعي الجمعي والقابل للاستغلال متحديا التجريم القانوني والتحريم الديني.  

ساهم في تعزيز سطوته، التسويق الاقتصادي والإشهار الإعلامي والدعاية للمنجمين والعرافين تحت تمويه لهذه الظاهرة في برامج تلفزيونية محتواها “توقعات رأس السنة والأحداث السياسية ومصير الدول والحكّام”.

تقول الدكتورة في علم الاجتماع حنان ديابي لـ”بزنس برس”: “ظهور المنجمين على الشاشات هو الشكل الحديث لهذا البزنس الجديد القديم (التنجيم)، والذي لا يحتاج إلى رأسمال، ولكل جمهوره الذي يستقطبه ومرابحه المادية وأدواته”.

فـ”الشكل التقليدي للمنجمين كالبصارة أو البراجة التي تجوب الشوارع”، كما تضيف الديابي، “تلعب على وتر الحلول السريعة والسحرية، من خلال تأويل الماضي والإخبار بما غاب ومعرفة مجرى المستقبل والإيحاء بإمكانية التأثير فيه، بوعود الخلاص من الضغوط التي تعانيها الشريحة التي تتقبلها وهي شريحة اليائسين والمتعبين. لذا، يمكن أن نتوقع أن يزداد عدد هؤلاء المنجمين في قادم الأيام وفي مختلف المناطق لأن السوريين بمعظم شرائحهم متعبون وفقدوا الحلول العملية لمشكلاتهم”.

تنامي هذه الظاهرة من استمرار الاعتقاد بوجود المنجمين وتسخيرهم السحر والقوى الخارقة لقضاء بعض الحاجات والتخلص من مشكلات اجتماعية ونفسية رغم التقدم العلمي، هو وبحسب علماء الاجتماع الحديث، تطبيق مباشر لطبيعة التفكير الشعبوي الذي يدين إلى الخرافة والأساطير وغياب الوازع الديني والرادع القانوني وهو ما يفسر لجوء المقتدرين والفئات المتعلمة إليه.

من الشعوذة إلى الاعتداء الجنسي والقتل

تندرج أعمال التنجيم والشعوذة كجرائم يعاقب عليها القانون السوري. يقول المحامي وائل الشمري لـ”بزنس برس”: “نظراً لكون أعمال السحر والشعوذة والتنجيم وما يدور في فلكها اعتداء على سلامة المجتمع وحريته وأمنه لذا تمت معاقبتها في قانون العقوبات العام السوري وفق أحكام المادة 754 ضمن المخالفات التي تمس الثقة العامة”.

وتنص المادة “يعاقب بالحبس التكديري وبالغرامة من 25 ألف ليرة سورية (2 دولار) إلى مئة ألف ليرة (8 دولارات) من يتعاطى بقصد الربح مناجاة الأرواح والتنويم المغناطيسي والتنجيم وقراءة الكف وقراءة ورق اللعب وكل ما له علاقة بعلم الغيب وتصادر الألبسة والعدد المستعملة. ويعاقب المكرر بالحبس حتى ستة أشهر وبالغرامة حتى مئة ألف ليرة ويمكن إبعاده إذا كان أجنبياً”. 

وبحسب المحامي الشمري، يندرج تحت مفهوم الشعوذة ما يدّعيه المشعوذ من مناجاة للأرواح والتنويم المغناطيسي والضرب بالرمل والمندل وقراءة الفنجان وإجراء أعمال جراحية لجسم المريض باللمس والنظر بالعين دون ألم، حيث ترك المشرّع للقاضي سلطة تقديرية لتحديد ما إذا كان الفعل يعتبر جريمة شعوذة أم لا بذكر عبارة فضفاضة (وكل ما له علاقة بعلم الغيب) لكون المذكور ضمن المادة على سبيل المثال وليس الحصر.

لكن، ما يعد أخطر من ذلك، برأي المحامي الشمري، هو استخدام أساليب الشعوذة والدجل تمهيداً لارتكاب جرائم أخرى، وذلك لاستدراج الضحايا لدفع مبالغ مالية احتيالاً لصالح المشعوذ وقد يمتد الموضوع ليشمل ما هو أخطر من ذلك وقد حدثت عدة حالات سابقاً حيث كان يتم استغلال الضحايا والاعتداء عليهم جنسياً بحجة طرد الأرواح الشريرة وقد يصل إلى القتل، وهو ما يخرج الموضوع إلى جرائم أخرى أكثر خطورة.

ويؤكد الشمري أن العقوبة المنصوص عليها في المادة 754 تعد متساهلة نوعا ما تجاه أفعال ظاهرها يدل على أعمال قد لا يراها البعض خطيرة باعتبارها نوعاً من العلوم الزائفة ولكنها في حقيقتها تعد وسائل تمهيدية لارتكاب جرائم ذات تأثير عميق على المجتمع وأفراده. وقال “نأمل أن يتم تعديل قانون العقوبات وتشديد هذه العقوبة لتحقق فعلياً الفلسفة الجنائية المتعلقة بالتجريم والعقاب لتحقيق الجزء الخاص بالردع العام”.

 وبخلاف النص القانوني وما يعتريه من لبس في تعريف أعمال العرافة والتنجيم أو التنبؤ بالغيب، حارب الإسلام التنجيم والشعوذة والكهانة والخرافة وغيرها من الظواهر التي تعطل ملكة التفكير عند المسلم وتجعله أسيراً للوهم. كما اعتبر استخدام السحر والاستعانة بالسحرة لقضاء الحوائج وتصديقهم استعانة بغير الله وشركا منافيا لكمال التوحيد. وجاء في القرآن الكريم “إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى” وبالحديث الشريف “من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه فلا تقبل له صلاة أربعين يوماً”

“بزنس” قراءة الكف أو استنطاق الودع، والذي انتعش في سوريا الجديدة، تندرج تحته مجموعة كبيرة من الأعمال والطقوس التي تعتمد على قوى خفية وسرية تدعي الاتصال بعوالم خفية وعالم الأرواح والاعتقاد بالجن والعفاريت والمخلوقات ذات القدرات العجيبة والخارقة لإيقاف أو إلحاق الأذى، والحب والكراهية، وإعادة الصحة واجتلاب الخير، وهي أعمال مستمرة في وضح النهار، تستنزف جيوب اليائسين مادياً، وتغريهم بحلول سهلة ليعودوا ويطرقوا أبوابها، وأبواب المجهول المخيف.