“عجائب” 40 بيتاً تعكس عبقرية المتنبي

في واحدة من أبرز جلسات معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025، احتضنت منصة المجتمع ندوة استثنائية بعنوان “عيون العجائب فيما أورده أبو الطيب من اختراعات وغرائب”، بمناسبة إطلاق الكتاب الجديد الذي يحمل الاسم نفسه، لمؤلفه الدكتور علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، بحضور الشاعر اللبناني وأستاذ الفيزياء الدكتور مهدي منصور، فيما أدارت الحوار الإعلامية وصانعة المحتوى لانا مدوّر.

وافتتح بن تميم حديثه بتأمل شخصي عميق، مسترجعاً أولى علاقاته الشعرية بأبي الطيب المتنبي، من خلال قصيدة يعتبرها أصل شعريته ومفتاح ديوانه، والتي يقول فيها:

“كم قتيلٍ كما قُتِلتُ شهيدُ…

 لبياضِ الطلي ووردِ الخدودِ”

ورأى أن هذه القصيدة المبكرة تُشكل النواة التي تشع منها بقية قصائد المتنبي، واصفاً إياها بأنها قصيدة “الصبا” التي ألهمت مجمل مشروعه الشعري، وفقاً لبيان صحفي وصل موقع “بزنس برس”.

واستعرض بن تميم تأملاته في ثيمات القصيدة، مشيراً إلى تأثر أبي القاسم الشابي بها في قصيدته الشهيرة “عذبة أنت كالطفولة”، ومقاربته للغة الحب والعطر كما فعل أمرؤ القيس. لكنه توقف عند أمر لافت وهو البعد الديني في قصائد المتنبي، مؤكداً أن أغلب النقاد اختزلوا قراءته في جدلية المذهب والانتماء، في حين أن المتنبي ذاته تجاوز تلك التصنيفات، بل خاض في أديان مختلفة من دون أن يعلن انتماء واضحاً.

وأشار إلى أن المتنبي قدّم اختراقات فنية كبرى، ليس أقلها إعادة تشكيل صورة الخيل في الشعر العربي، وابتكار “فن القول على ظهر الجواد”، ما يعكس قدرة المتنبي على إعادة صياغة الرموز الشعرية التقليدية في قوالب إبداعية جديدة. من هنا جاءت فكرة الكتاب المتمثلة في اكتشاف “الاختراعات” الكامنة في شعر المتنبي عبر40  بيتاً تم اختيارها بعناية، لتكون مرايا لعقل عبقري سبق عصره.

ومن جهته، نوّه الدكتور خليل الشيخ، مدير إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في المركز، إلى أن اهتمام الدكتور بن تميم بالشعر الكلاسيكي – وتحديداً شعر المتنبي – جاء بعد تجربة طويلة مع الشعر الحديث، معتبراً أن هذا العمل يختلف عن معظم ما كُتب عن المتنبي، كونه لا يشرح، بل يكتشف، ويقدّم مقاربة شعرية ومعرفية لا تستند إلى التفسير التقليدي، بل إلى البحث عن الأفق الجمالي والمعرفي في شعر المتنبي، ضمن رؤية حداثية متجددة.

أما الدكتور مهدي منصور، فاعتبر أن المتنبي يشكّل فاصلاً حاسماً في تاريخ الشعر العربي، مؤكداً أن ما قبل المتنبي ليس كما بعده. وتوقف عند بعض أبياته التي تتداخل فيها الفلسفة مع الصورة الشعرية، مشيراً إلى أن المتنبي استطاع تحريك الخيال العربي بطريقة لم يسبقه إليها أحد، قائلاً: “هو الشاعر الذي أضاء لنا الشعر كما نرى الأشياء عبر الضوء، لا الضوء ذاته”.

وأضاف أن كتاب “عيون العجائب” لا يكتفي باستعراض شعر المتنبي، بل يكشف عن اختراعاته البلاغية والفكرية، ويستخرج لآلئ بقيت دفينة لقرون، بأسلوب بعيد عن التكرار أو الحواشي التقليدية، مقدّماً المتنبي كحالة معاصرة قادرة على مخاطبة القارئ الحديث. ويحرص مركز أبوظبي للغة العربية على استثمار معرض أبوظبي الدولي للكتاب للكشف عن أحدث إصداراته، بوصفه تظاهرة ثقافية جماهيرية شاملة.