لطفي عبد الواحد: اجتماع الشعر والموسيقا مع الفن يخدم الإنسانية
يستحوذ حبّ التراث الشعري والموسيقي العربي على قلب الشاعر التونسي لطفي عبد الواحد، ليؤكد أنّ بإمكان اجتماع الشعر والموسيقا معاً في عمل فني واحد أن يخدم القضايا الإنسانية، علماً أن الشعر العربي من أكثر الأشعار في العالم الذي تتوفر فيه شروط النغم والإيقاع، داعياً إلى ضرورة المحافظة على هذا التراث لأهميته في التأكيد على الهوية العربية.
ولطفي عبد الواحد شاعر وناقد وإعلامي وإطار تربوي من مواليد مدينة دار شعبان الفهري من ولاية نابل التونسية، متخرج من كلية الآداب والعلوم الإنسانية في تونس، اختصاص لغة وآداب عربية، بدأ كتابة الشعر في سن مبكرة، وتحديدا حين كان تلميذاً في المدرسة الابتدائية في مدينته.
له إنتاج شعري غزير رغم ندرة إصداراته، وله كذلك إنتاج أدبي متنوع، نشر بعضه في العديد من الجرائد والمجلات، وتولّى الإشراف على الصفحات الثقافية والأدبية في إحدى الجرائد الخاصة، مع إعداد وتقديم برنامج إذاعي ثقافي في إحدى الإذاعات الخاصة، وهو متحصل على الوسام الوطني للثقافة وعلى الوسام الوطني للشباب في تونس.
وفيما يلي الحوار التالي الذي أجراه موقع “بزنس برس” مع الشاعر لطفي عبد الواحد:
كيف تسير العلاقة بين الشعر والموسيقا؟ وما وتأثيرها على الأغنية العربية؟
أعتقد أن العلاقة بينهما وطيدة جداً منذ القِدم؛ وأستطيع أن أقول إن علاقتهما منذ أن وُجد الشعر العربي انطلاقاً من العصر الجاهلي، أي ما قبل الإسلام، ثم في الفترات الإسلامية والعربية اللاحقة..
وأعتقد أن الشعر العربي هو من أكثر الأشعار في العالم الذي تتوفر فيه شروط النغم والإيقاع والتطريب، وهي ميزة وخصوصية يختص بها، كما أنه قابل للتلحين أكثر من غيره.
إن العلاقة بين الشعر والموسيقا هي علاقة قائمة وضرورية، فبقدر ما تتوفر في القصيد الشعري عناصر الإيقاع والتطريب، تكون مهمة الملحن أكثر سهولة وقدرة على تحويله بالصورة والنمط المؤثر في نفوس المستمعين والمتلقين.
ولو عدنا إلى تراثنا العربي ولأشهر الكتب في هذا المجال/الأغاني/ لأبي الفرج الأصفهاني/ وهو يُعدّ موسوعة أدبية وفنية، لوجدنا الحديث المستفيض عن الشعر والموسيقا وأخبار الشعراء والمغنين.
وهذا يؤكد أن هذه العلاقة بين الشعر والموسيقا كانت قائمة ومتأصلة ولاتزال متواصلة إلى اليوم، رغم ما نلاحظه أحياناً من تراجع تلحين القصيدة التي يكتبها شعراء معاصرون اليوم في مختلف الدول العربية، وأعني تحديداً القصيدة العمودية أو القصيدة الموزونة، مثل قصيدة التفعيلة.
هل الموسيقا العربية الراهنة أو جزء كبير منها تحمل هموم وآلام وأوجاع الشعب العربي؟
أعتقد أن نسبة محترمة لا بأس بها من الأغاني تحمل هموم وآلام وأوجاع الشعب العربي بمختلف أنماطها وتعبّر عن القضايا العربية والدعوة للسلام والتضامن بين الشعوب وحقوق الإنسان..
وما زلنا نجد شعراء يكتبون قصائد عن الواقع العربي ومشاكله وهموم الإنسان المواطن، ونجد ملحنين يقومون بتلحين هذه الأغاني ويستمع إليها المستمع العربي في بعض القنوات التلفزية والإذاعية وفي المواقع الإلكترونية..
ونحن نبقى بحاجة كبيرة جداً لهذا النوع من الأغاني، لكن للأسف أعتقد أن نسبتها ليست كبيرة جداً، إذ إن أغلب الأغاني اليوم عاطفية أو تتناول بعض المواضيع ذات البُعد الشخصي..
وبناءً على هذا، فبتقديري أن بإمكان اجتماع الموسيقا كفنّ والشعر كفنّ ببعضهما البعض أن يخدما القضايا الإنسانية، باعتبار أنّ للفنان (سواءً أكان موسيقياً أو شاعراً) رسالة لابد أن يضطلع بها نحو ذاته ومجتمعه والإنسانية عامة.
هل اعتماد الشعر العربي القديم في الأغاني والموسيقا خلال الوقت الراهن صحيح وناجح ويعبر عن قضايا الأمة؟
اعتماد الشعر العربي القديم في الأغاني الجديدة من موشّحات وقصائد ذات مضامين مختلفة ومتنوعة، مثل المضمون الصوفي لشعراء عرب كبار، ظاهرة إيجابية وطريفة ولها دورٌ إيجابي في الحياة الفنية وكذلك له دورٌ عظيم في المحافظة على الذاكرة الشعرية العربية والارتقاء بذوق المستمع..
وقد لاحظنا أنّ هذه الأغاني أصبحت تستهوي الشباب في الوطن العربي.. الشباب الذي أصبح يستمع إلى هذه الأغاني بشغفٍ ويتفاعل معها ويغنيها حتى في المناسبات الخاصة.
هل تراجع حضور القصيدة الغنائية خلال الوقت الراهن؟
أعتقد أنّ الأمر موكول إلى الملحنين أكثر من الشعراء، لأن هناك عدداً كبيراً من الشعراء يكتبون قصائد مؤهلة لتكون مغنّاة؛ لكن ما يُلاحظ أنه في كثير من الدول العربية هناك تراجع (وقد يكون تراجع مستوى اللغة العربية الفصحى أحد أسبابه) وأغلب الأغاني هناك مكتوبة باللهجة العامية للبلد، ولم يعد هناك ذلك الإقبال الذي كنا نعرفه في الماضي على تلحين القصيدة العربية وجذب الناس ليستمعوا إليها في كل المناسبات، بما فيها الحفلات والمهرجانات..
بالتالي، هناك ربما نوعٌ من التراجع والعزوف عن هذه الأغاني رغم وجود محاولات جادة لتقديم بعض القصائد العربية الملحنة المغناة بين الحين والآخر من قبل بعض المغنين الكبار..
وبرأيي، لا بد أن نعود إلى تلحين القصيدة العربية وخاصةً منها الفصحى الموزونة دون الاستغناء عن الأغاني المحلية.
كيف تنظر إلى تجديد الأغاني الشعبية المتداولة في الغناء العربي؟
أنا شخصياً لست ضد إعادة إخراج وتوزيع أغانٍ شعبية متداولة بطريقة جديدة وأسلوب مختلف نوعاً ما باعتبارها جزءاً من تراثنا، لكن بما أنّ هذه الأغاني كثيراً ما تكون ضعيفة من حيث مستوى الكلمات ولا تخلو من السوقية التي قد تؤثر سلباً على الذوق العام ولا تحمل قيماً جميلة.. أرى أنها تحتاج إلى عملية تهذيب وإعادة صياغتها لكن دون إفراط حتى لا يقع تشويهها بطريقة لا تستهوي السامع..
أعتقد أنه لا بد لوزارات الثقافة في بلداننا العربية ونقابات الفنانين أن يكون لها رأي وتوجيه في هذه المسألة صيانةً لهذا النوع من الأغاني.
خضت تجربة الكتابة للفنان لطفي بوشناق، فكتبت العديد من القصائد التي تولى تلحينها وغناءها.. هل لك أن تحدثنا عن هذه التجربة وتقييمها في إطار ما تفضلت به من خلال هذا الحوار؟
الفنان لطفي بوشناق فنان تونسي وعربي كبير، استطاعت ألحانه وأغانيه نيل إعجاب المتلقين في بلدنا تونس والبلدان العربية والعالم، نظراً لما خصّه الله به من مواهب عديدة، وقد كانت لي كما ذكرت منذ سنوات تجربة فنية متواصلة أعتز بها وأتشرف كثيراً، فقد لحّن لي ما يقارب الثلاثين أغنية في مواضيع متنوعة..
ويمكن تصنيف هذه الأغاني إلى أغانٍ وطنية واجتماعية وعاطفية تنسجم مع توجهنا وإيماننا برسالة الفن والفنان ودور الفن في خدمة القضايا الإنسانية العادلة وتنمية الوعي وخدمة السلام والقيم النبيلة..
ومن الأعمال المشتركة التي أعتز بها الأوبيرات التي لحنها الفنان لطفي بوشناق، وهي من كلماتي بعنوان “إلى متى؟”، وتأتي بعد سنوات عديدة من أوبيرات “الحلم العربي” المعروفة مع اختلاف في التصور والطرح، هذا إلى جانب عدد من الأغاني عن فلسطين المقاومة وما يتعرض له الشعب الفلسطيني.
كلمة الختام
أتوجه إليكم بخالص الشكر والتقدير على تفضلكم باستضافتي في هذا الموقع وعلى إجراء هذا الحوار الطريف واللطيف معي.. وأرجو لكم كامل النجاح والتوفيق في عملكم الإعلامي الراقي والمفيد.. وتحية طيبة صادقة وكبرى لكم على عنايتكم بالمبدعين والمثقفين.