راغدة محمود: يمكننا تطويع الذكاء الاصطناعي لخدمة اللغة العربية

تغوص الأديبة والباحثة السورية راغدة شفيق محمود، في أعماق اللغة العربية بعشقٍ لا ينتهي للغة الآباء والأجداد والحداثة، فهي ترى أنه لا يمكن لأحد أن يطوّع الذكاء الاصطناعي للتعامل مع اللغة إلا العرب، وهي التي نالت لقب “المرأة الأولى التي بسطت النحو في الوطن العربي”.

كان لموقع “بزنس برس” هذا الحوار مع راغدة محمود من العاصمة السورية دمشق.

كيف يتجلى دور الأديب في عصر السوشيال ميديا للدفاع عن اللغة العربية ونشر التوعية الثقافية بها؟

اللغة كائن ينمو ويتجدد، وإن لم يجد الرعاية والاهتمام يموت ويفنى، ليحل مكانه كائن آخر..

واللغة العربية كائن قوي يحيا في عقول وتفكير الملايين من البشر، وحياته مرتبطة بالتواصل بين الفرد ومن يشبهه من الأفراد كقومية عربية، أو بين الفرد والخالق من خلال الشعائر الدينية الإسلامية والمسيحية، فلا تواصل أو نشوء للعلاقات الاجتماعية بلا لغة.

والأديب فرد من المجتمع، دوره نشر الفكر من خلال الكلمة والتمسك بالقيم والمبادئ؛ فالكلمة غذاء الروح، وهي سلاحه الذي يستلّه لمواجهة عوادي الأيام أو لتوثيق تاريخه.

باختصار، الأديب أو الكاتب هو أشبه بطباخ ماهر يتقن ناصية اللغة ويمتلك قدرة فنية على ربط كلماتها بغية الوصول لهدفه ونشر ما يرغب به بعد تحديد الشريحة الموجه لها الكلام والهدف منه.. وبقدر ما يتقن استعمال أدواته والربط بينها والإيمان بأفكاره والدفاع عنها يكون ناجحاً ويحقق هدفه.

ما التحديات التي تواجه مهمة تمكين اللغة العربية في أبناء الجيل؟

من وجهة نظري تقسم إلى تحديات داخلية داخل الفكر العربي، حيث يحاول بعضهم غرس فكرة عجز اللغة العربية عن مواكبة التطورات العلمية والتقدم التقني والتكنولوجي في العالم، وغزو الأدمغة هو أخطر أنواع الغزو، إذ كيف سنقنع شاباً بإتقان لغته وهو تربى على أنها ضعيفة تلفظ أنفاسها الأخيرة فلا قيمة لها ولا يعمل على تشكيل مخزون فكري يغني معجمه اللغوي..

نجد عدداً من الأسر تشجع على اللغات الأجنبية وترفض أن يتعلم طفلها اللغة العربية فتعتبره نوعاً من التخلف الفكري، وهنا تظهر مشاكل نفسية عند الأطفال في عدم القدرة على التعبير بالكلام، لأنه يعيش حالة اغتراب فكري، ونجده يلجأ للعنف في تعامله أو التأتأة عند محاولة الحديث بالعربية مع أقرانه واستحضار الكلمات المناسبة.

كما سيطرت فكرة الهجرة على عقول الشباب، إذ ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة يسوّق لفيديوهات تحث على ترك اللغة العربية والاهتمام بلغة الغرب لأنها لغة العلوم وهذه تسمى تحديات خارجية لا قيمة لها إن لم تنتقل لحيز التطبيق، لأن اللغة تحيا على ألسنة أبنائها وتستمر من خلال الكلام المنطوق أو المكتوب.

الأديبة السورية راغدة محمود - متداولة
الأديبة السورية راغدة محمود – متداولة

هل يشكل الذكاء الاصطناعي تهديداً للوظائف التعليمية في مجال خدمة اللغة العربية؟

لا أعتقد ذلك، فهو قد يقلل ولكنه لا يشكل تهديداً خطيراً لأسباب عدة سأوجزها.. وفي هذا الإطار فقد كتبت يوماً قصة بعنوان (معلمتي روبوت جميل).

الغرب لو كان يثق بالآلة لاستغنى عن الإنسان في ميادين التعليم، حيث ظهرت بعض المحاولات وتم التسويق لها، وأعتقد أنها لن تنجح بنسبة تهدد وظيفة المعلّم المربي لأسباب:

1- التعليم قد يعتمد على الآلة، ولكن التربية تحتاج إلى مشاعر إنسانية متناقضة وهذا يشكل خطراً على الأطفال إن وضعوا تحت رحمة الآلة المبرمجة طوال الوقت، الطفل يحتاج إلى قدوة وملجأ يحتضن مشاعره.

2- الآلة معرضة للفيروسات والاختراق من خلال تهكير البرنامج وهذا يشكل خطراً على المدارس فالإنسان يمتلك عقلاً جانحاً لا يمكن تقييده وقد يظهر ما يسمى النسيان والشرود الذهني وصعوبات التركيز والنطق بين الطلاب.. والآلة هي برامج مختلفة وعندما ينجح العلماء في تحويل الآلة إلى إنسان نقول: الآلة من خلال الذكاء الاصطناعي هي معلّم البشرية، وهذا لن يتحقق على المدى القريب.

3- تمّ تصميم برامج ذكاء اصطناعي في ميادين اللغة العربية، ولكنها حتى يومنا لم تستطع منافسة العربي بلسانه الفصيح وطموحه المتوثب لخدمة لغته والعمل على استمرارها.

4- الذكاء الاصطناعي يحاول من خلال دراسة طبقات مخ الإنسان وعملها أن يعالج برامج وإدخالات وخوارزميات برمجية تفوق العقل البشري في مجالات قياسية تعتمد على المتتاليات الحسابية، أما الإبداع وتركيب القصص والروايات أعتقد ستعتمد على السرقات الفكرية ومزج الأحداث لتبدو وكأنها أبدعت والباطن لا يشبه الظاهر ولن يخرج عن نطاق التفكير والخيال.

كيف يمكن تسخير قدرات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في خدمة اللغة العربية؟

لا يمكن لأحد أن يطوّع الذكاء الاصطناعي للتعامل مع اللغة العربية إلا العرب، فقد أبدع مطورو البرامج الكثير في هذا المجال كالمعجم الرقمي والترجمة الفورية، وإخراجها صوتياً والمدقق اللغوي الآلي وهي خطوات بسيطة، وقد أنجزنا الكثير من المسابقات اللغوية لخلق روح التنافس والإبداع بين العرب تعتمد على الذكاء الاصطناعي.

بالإضافة إلى كتبكِ (عالم الإملاء) و(على مسرح الإعراب) و(على خشبة مسرح النحو)، ومبادرتك لتشجيع دارسي اللغة العربية.. ما خططك المستقبلية للاهتمام باللغة العربية؟

(على مسرح الإعراب) كان خطوة جادة لمسرحة النحو وشقّ الطريق أمام الكثيرين للإبداع، وكان لنا دور كبير في ميادين مسرحة النحو واعتماد القصة والحكاية، وهذا شجع لطرق تعليمية هادفة تجذب طالب العلم لإتقان النحو، حتى نلت لقب المرأة الأولى التي بسطت النحو في الوطن العربي.

أما (عالم الإملاء) فهو كتاب تعليمي شامل وفق قواعد الإملاء السورية، فهناك اختلاف في الرسم الإملائي بين الدول العربية، وقد اعتمدت على المتفق عليه في سوريا مع بعض الإشارات لقواعد الرسم الإملائي العربي.

وقد أنجزتْ اثني عشر جزءاً تعليمياً نحوياً على مبدأ المسابقات التعليمية يتضمن ألفين وأربعمئة سؤال وجواب صُمم على شكل بطاقات تعليمية، وشاركت المجموعة في المعارض العربية معظمها، وهي مرجع مفيد لكل أسرة ترغب من طفلها إتقان اللغة بأسلوب من التشجيع واللعب.

وأكتب القصص التعليمية النحوية والتي تقوم على القيم الإيجابية وتطبيقها وأشرف على ملحق في مجلة عربية يسمى (تورج)، وهو مشعل لإنارة الطريق لكل طفل وشاب عربي مبدع يمتلك موهبة فكرية تقوي شخصيته وتنمّي مداركه الفكرية واللغوية.