
مسلسل “القدر”.. “بزنس” الإتجار بالرحم والعواطف
نعرف جميعاً وسمعنا الكثير من القصص عن تجارة الأعضاء مثل الكلى والقلب والعينين، وفيها يكون الضحية إما واعياً لما يحصل له، أو مُتَعرِّضاً لخديعة ما، أو ميتاً؛ وهي أهنأ الحالات، لكن الإتجار بالرَّحم عن طريق تأجيره ليحمل عن امرأة أخرى، هنا يصبح الموضوع أعقد على صعيد العاطفة والنَّسَب، وعلى مستوى الدراما التي يستدعيها.
هذا ما حصل في مسلسل “القدر” الذي أعدَّته “جويل بيطار” عن مسلسل “لعبة القدر” التركي، وأخرجه “فيليب أسمر”..
فبعد اكتشاف “نجوى” (رندة كعدي) عدم قدرة كنَّتها “تالا” (ديمة قندلفت) على الإنجاب، تقوم بالتلاعب بالجميع من أجل أن تؤمن وريثاً لابنها “زيد” (قصي الخولي)، ولكن عبر رحم أم بديلة هي نور “رزان جمال”، لتبدأ صراعات المشاعر بين الرفض والقبول، الرضوخ والاستنكار، الحب والكراهية، وتأرجحها جميعها عند شخصيات العمل.
زيد الرافض للتخلي عن زوجته العاقر بسبب حبه لها، تميل مشاعره إلى نور التي باتت تحتضن ابنه، وتتعزز مشاعره بعد رفضها التخلص من الجنين، بينما الحالة النفسية لتالا تتراجع لدرجة تدفعها للانتحار، لكن يتم إنقاذها، وتسعى الأم البديلة لإيضاح عدم رغبتها بسرقة زوجها منها وأن مهمتها تنتهي بالإنجاب فقط.
الوضع لا يستمر على هذه الحال، بل تتعقد الأمور في ظل افتضاح القصة التي رسمت خطوطها الأساسية الأم، لاسيما مع غيرة إياد (ميلاد يوسف) من أخيه زيد، وحرب السَّلايف المعتادة، ليتحول الإتجار بالرَّحم بسبب الحاجة المادية لنور، ورفضها الزواج ممن يفرضه عليها والدها ويجسده الممثل (وسام حنا) بمثابة مركز تتمحور حوله الحبكة الدرامية لمسلسل القدر.
يسانده في ذلك إبراز الهشاشة الأسرية التي تعاني منها أسرة زيد، خاصةً مع تسلط والدته على حياته وحياة أخيه وزوجتيهما، ما يضعنا أمام ارتكاسات نفسية ومجتمعية تصيب جميع الشخصيات، التي تتبادل ردود الأفعال مع مستجدات واقعها المحيط، حتى لتغدو كأنها ماريونيتات في يد القدر، وبلا أي قدرة على مواجهته.
الأداء العالي للممثلين أضاف الكثير للعمل، إذ لا يمكن عدم الالتفات إلى التقاطات قصي خولي الأثيرية للتغيرات النفسية التي يعيشها بين رغبته في الأبوة وطريقة تحقيق ذلك، والتوتر الذي يصيب علاقته بزوجته والأم البديلة، كما أن الغوص في أعماق الشخصية الذي حققته ديمة قندلفت في شخصية العاقر يضيف إلى مسيرتها نقطة مضيئة.
أما رزان جمال فإنها بعفوية أدائها وسحريته تصعد درجة في سلم النجومية، يساعدها في ذلك وجه ملائكي وانفعالات هادئة لكنها مدروسة في مواكبتها لتطور شخصيتها. في حين أن رندة كعدي ما زالت تحقق سطوتها في فن التمثيل الذي تسخِّره لخدمة أدائها على المستويات كافة جسدية ونفسية.
ولا يقل أداء بقية الممثلين رُقِيّاً، بحيث تبنّوا شخصياتهم إلى الحد الأعلى، مما يجعل المشاهدين مشدودين لمتابعة بقية تفاصيل المسلسل الذي يمتد إلى 45 حلقة، استطاع فيها المخرج فيليب أسمر أن يوجِّه كاميرته إلى جوهر الحكاية بخيوطها الدرامية المتشابكة، وإلى أعماق الممثلين وبيئاتهم الاجتماعية المختلفة، بحيث لم نشعر بأن العمل معرَّب، وربما بسبب التكثيف وعدم اعتماد الإطالة التي تعاني منها المسلسلات التي تنتمي إلى الصنف ذاته، كما ساهم في جودة العمل سخاء فريق ميديا ريفولوشن سفن للإنتاج في أول تجاربه مع الأعمال المعرّبة.