“مائة عام من العزلة” على نتفليكس.. الإخلاص لماركيز
منذ إعلان شبكة “نتفليكس” عن الحصول على حقوق تصوير رواية “مائة عام من العزلة” للروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، بدأت الأسئلة عن قدرة العمل التلفزيوني على مقاربة روح الرواية بطبقاتها السردية العديدة وشخصياتها الآسرة، واللعنة المستمرة عبر الأجيال، فضلاً عن “الواقعية السحرية” التي انتهجها ماركيز، والآلية التي سيتم التعامل معها على صعيد الصورة والمناخ البصري.
وما إن انتهى الجزء الأول من المسلسل المؤلف من 16 حلقة، حتى تأكد المشاهدون من مقدار الالتزام بجوهر العمل الروائي، ليس على صعيد الحكاية فقط، وإنما على مستوى الإخلاص لروحيتها العالية وسحريتها..
هذه التي تبدأ من جملتها الأولى “بعد سنواتٍ كثيرة، وبينما كان يواجه فرقة الإعدام، عاد الكولونيل أوريليانو بوينديا بالذاكرة إلى تلك الظهيرة البعيدة، عندما أخذه والده لاكتشاف الثلج”، وتتواصل مع بقية التفاصيل.
العمل التلفزيوني آثر تعزيز صوت الراوي، وصنع بلدة ماكوندو بصورة أقرب ما تكون إلى رؤية ماركيز أولاً، وقرائه ثانياً؛ تلك البلدة التي أسسها الجد الأول لعائلة بويندا “خوسيه أركاديو” وزوجته “أورسولا”، وفيها تكبر عائلته وعائلات من رافقه، ونتابع سيرهم وصولاً إلى أحفاد أحفاده الذين يحملون الأسماء نفسها واللعنات ذاتها.
وبين طيف الرجل الذي قتله أركاديو والغجر الذين سكنوا ماكوندو وغلَّفوها بالغرائب والسحر والماورائيات، يصبح البطل أسير النجوم والكواكب وأسير مختبره لتحويل الحديد إلى ذهب. فيما زوجته تصنع الحلوى لتعيل العائلة.
معتقدات شعوب أمريكا اللاتينية وأساطيرهم تتجلى في العمل، فالغجري ملكياديس يعود من الموت، والطفلة ريبيكا ذات العينين الجاحظتين تأكل التراث من حديقة الزوجين كلما حزنت أو غضبت، والسماء تمطر زهوراً صفراء، والدماء تسيل عبر الشوارع لتعلن موت الأحبة، والأرواح التي تتجول في البلدة باستمرار…
لكن بالمقابل فإن للواقع سطوته أيضاً عبر العديد من قصص الحب التي يعيشها أولاد أركاديو وأورسولا، وتجعلهم مجبولين باللعنة والخوف من أن يولد لهم أطفال مشوهون، وأيضاً تتعزز الواقعية من خلال الصراعات التي تبرز على السطح بقوة سواء ما له علاقة بصراع العواطف أو صراع السلطة والنفوذ…
وفضلاً عن الإنتاج الضخم الذي يميز هذا العمل، فإن قدرة كاتب السيناريو “خوسيه ريفيرا”، وشركائه الكولومبيين: “ناتاليا سانتا، وكاميلا بروجيس، وألباتروس جونزاليس”، على استلهام روح الرواية، والرؤية المذهلة التي حققها المخرجان “لورا مورا” و”أليكس جارسيا لوبيز”، كانا عاملاً أساسياً في نجاح الجزء الأول، خاصةً مع أداء مميز لممثلين كولومبيين تبنُّوا شخصيات ماركيز إلى الحد الأقصى ونذكر منهم: مارليدا سوتو بدَور أورسولا، وكلاوديو كاتانيو بشخصية أوريليانو بوينديا.
ومع انتهاء عرض الجزء الأول، فإن الجمهور متوعد مع استمرار السحر في الجزء الثاني، خاصةً أن التصعيد الدرامي في النصف الأخير من الرواية يتعزز إلى درجة كبيرة، ويصبح قاطعاً للأنفاس، إذ إن الحبكة تتعقد والأزمنة تتشابك، والمصائر تتقاطع مع الأقدار والسحر الذي أبدعه ماركيز منذ أكثر من نصف قرن ونال عليه جائزة نوبل للآداب.