هل تريد أن يحبك زملاؤك في العمل أكثر؟
“عندما أغضب، أحتاج إلى التحدث مع زميل يفهمني ويستوعبني. أجرب الأمر يومياً، وأشعر بالارتياح النسبيّ بعدها، لكن يجب اختيار الأشخاص المناسبين”، تقول سارة، موظفة حكومية لـ”بزنس برس”.
تتحدث سارة عن قضية شائعة، مفادها أننا حين نواجه عاطفة سلبية شديدة مثل الغضب، قد نختار التعبير عنها لزميل في العمل، هنا يتحدث الناس عن الحاجة إلى “التنفيس عن الغضب”، أي تخصيص الوقت للتعبير عنها بهدف تقليل شدتها.
لكن على النقيض من سارة، تقول ربا، مهندسة في إحدى الشركات الخاصة لـ”بزنس برس”: “لا أشجع أحداً على التنفيس عن الغضب في مكان العمل، بعد عقود من العمل، اقتنعتُ أن الأنسب لي هو التجاهل بدل اجترار المواقف”.
وتضيف: “أرى أنّ الكثير ممن اختاروا التنفيس عن غضبهم في مكان العمل، وقعوا في مشاكل أخرى، لأنهم أفصحوا عن كلام جارح أو أفشوا سراً في لحظة الغضب”.
وبين سارة وربا، يقدم الدكتور مايكل فيديرمان، أستاذ علم النفس السريري، وجهة نظره في مقالٍ نشره في 21 مايو الفائت في مجلة Psychology Today، حيث يؤكد أن المشاعر عبارة عن تجارب فسيولوجية ناجمة عن تصورات أو أفكار، وإذا أوقفت الأفكار على الفور بطريقة أو بأخرى، فإن المشاعر الفسيولوجية أو التجربة الجسدية سوف تتلاشى في غضون ثوانٍ إلى دقائق، أي أنّ ما يبقي التجربة العاطفية حية هو الاستمرار في التفكير فيها.
وبناءً عليه، يقترح فيديرمان أنّ “أحد مخاطر التنفيس هو إعادة عيش المشاعر السلبية، خاصةً إذا كان التنفيس مجرد تكرار الأحداث”، ويتساءل “إذا كان هذا النوع من التفكير يؤدي إلى استمرار التجربة العاطفية السلبية، فلماذا نفعل ذلك؟”.
وبدلاً من التنفيس عن غضبنا لزملائنا في العمل بغرض التحقق من وجهة نظرنا؛ والتأكيد على أننا محقون في الشعور بهذه الطريقة، يقترح فيديرمان “ابحثوا عن تفسيرات بديلة، واطلبوا من زملائكم ذلك، ليس ذلك بغرض تغيير وجهة نظرك، لكنّ النظر فيها يساعد في كسر اعتقادك بأن تفسيرك أو تجربتك محقة قطعاً، وأنّ المخطئين أشرار لا محالة”.
وفي سياقٍ متصل، راجع الباحثون أكثر من 150 دراسة شملت أكثر من 10 آلاف مشارك، اكتشفوا أن خفض درجة الحرارة عبر أنشطة تخفيف التوتر هي الأفضل في تقليل الغضب لأنها تخفض استجابة القتال أو الهروب.
وكشفت نتائج التحليل الذي نُشر في أبريل الماضي، أنّ الأنشطة التي تقلل الإثارة مثل التنفس العميق والتأمل، كانت فعالة في إدارة الغضب في التجارب المعملية والمواقف الحقيقية، وبين مجموعات مختلفة من الناس.
وعلى نقيضها، لم تقلل الأنشطة التي تزيد من الإثارة مثل لكم الكيس والركض وركوب الدراجات والسباحة؛ لم تكن مفيدة في السيطرة على الغضب، كما أنّ التعبير عن الغضب يؤدي لزيادة انفعال الشخص، وكذلك الركض.
وعليه، يؤكد براد بوشمان، الباحث البارز وأستاذ التواصل في جامعة أوهايو أن “التنفيس عن الغضب أمام الآخرين يزيد من عدوانية الشخص، وأن الرياضات قد تكون مفيدة لقلبك، لكنها لا تقلل من الغضب، ولا يوجد دليل علمي واضح يؤكد أن الرياضة تقلل الغضب”.
وختاماً، ينصح الخبراء والباحثون بعدم السماح للمشاعر الغاضبة بالسيطرة علينا، وخاصة في مكان العمل، والتفكير مرتين قبل التعبير عن الغضب للزملاء، وسؤال أنفسنا قبل ذلك بعض الأسئلة المنطقية، ماذا سأقول؟
راجع ما تود قوله وحاكمه من وجهة نظر محايدة، هل يبدو منطقياً؟ هل سيعرضني الكلام الذي سأقوله للمتاعب؟ هل هذا الوقت مناسبٌ للتنفيس عن الغضب أم أنه وقت حساس في ذروة العمل؟ هل زميلي في العمل يمكن أن يخبر أحداً بما سأقوله؟ هل يمكن أن يسمعني أشخاص آخرون وأنا أعبر عن غضبي؟