هل الولاء الوظيفي مفيد ويحمي من الاستغلال؟
“اتفقنا أنا ومدير الشركة على العمل ست ساعات مقابل راتب شهري، وقد كان يطلب مني في بعض الحالات البقاء ساعة إضافية، وكنت أقبل لأنه كان لين الجانب، إلى أن طلب مني الذهاب إلى شركة أخيه، عملت حينها ساعتين دون مقابل، وعندما أعاد الطلب في يومٍ آخر رفضتُ وقدمتُ استقالتي”، هذا ما يقوله عمران (33 عاماً) لـ”بزنس برس”.
أمّا سامر (38 عاماً) يروي خلاصة تجاربه في العمل لـ”بزنس برس”: “بعد خمسة عشر عاماً من العمل في عدة متاجر ومطاعم وشركات، أنصح الجميع لا تفعل أكثر مما هو مطلوب منك، ولا تبذل جهداً إضافياً إذا لم يكن هنالك مقابل مضمون، لأن كل ذلك سيعرضك للاستغلال”.
لا شكّ في أن الإخلاص والولاء يخلق بيئة عمل إيجابية ومتماسكة في مكان العمل، ما يزيد الإنتاجية والرضا الوظيفي، ولكن هل الولاء مفيد دائماً للموظف المخلص؟ أراد مؤلف الدراسة ماثيو إل ستانلي وزملاؤه استكشاف هذا الأمر.
وخلصوا إلى أن المديرين يكلفون جون (اسم الموظف المفترض في الدراسة) بمهام إضافية غير مدفوعة الأجر عندما تم تصويره على أنه مخلص، ويعتبرون الموظفين المخلصين أكثر استعداداً للتضحية من أجل الشركة، ما يؤدي لاستغلالهم.
وأكد الباحثون أن المديرين فضّلوا استغلال جون “المخلص” على جون الصادق والعادل، ويعتبر المديرون الموظف أكثر ولاءً إذا قبل أداء المهام غير المدفوعة الأجر، دون أخذ نزاهته وصدقه بعين الاهتمام، وكلما كانت المهام أكثر استغلالية، كان المدير يعتبر جون أكثر ولاءً.
وفي سياقٍ متصل، أثبتت الدراسة المنشورة بتاريخ 23 أبريل 2024، أنه عندما ينخرط المديرون في سلوكيات استغلالية -مثل التلاعب والإكراه- يحجب الموظفون المعرفة القيمة عن رؤسائهم، ما يضر بالأداء العام للشركة.
وأنه عندما يرى الموظفون قادتهم استغلاليين، يقل انخراطهم في الجهود التعاونية والمساهمة في تحقيق أهداف الفريق، ما يؤدي لخنق الإبداع والإنتاجية، ويقلل قدرة المنظمة على التكيف والازدهار في البيئات التنافسية.
ولا تقتصر الآثار السلبية للولاء على الموظف نفسه، وإنما قد تضر بالشركة في بعض الحالات، حيث يقول صفوان (37 عاماً) وهو مدير شركة تسويق لـ”بزنس برس” أنه “أنا لا أتخلى عن الموظفين إلا لأسباب قاهرة، لأنني أبذل جهداً كبيراً في تدريبهم، لكن عندما يبدأ الموظفون الجدد عملهم، تتحسن المبيعات بشكل واضح، ونحصل على زبائن جدد، إنّ ضخ دماءٍ جديد ضروري من فترةٍ لأخرى”.
يلتقي كلام صفوان مع مضمون الحوار المنشور في ٢٤ أبريل الماضي، الذي أجرته مجلة فاينانشال تايمز حول الجوانب السلبية للولاء في مكان العمل، مع جيريمي بريشيزن الشريك الإداري لشركة جالوب في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، فيقول إن “الإفراط في التفاني والولاء لصاحب العمل قد يؤدي إلى عواقب وخيمة”.
ويشرح بريشيزن: “يعتقد معظم الناس أن الولاء أمر جيد، ولكن في السياق المهني، فالعمال غير المنخرطين الذين لا يتركون وظائفهم لن يكونوا أفضل سفراء للشركة؛ لأنّ الأفكار الجديدة قد تنفد من الموظفين القدامى”.
ويرى أنّ “الموظف الذي يقضي وقتاً طويلاً في الشركة، يصبح أكثر تسامحاً مع أخطاء زملائه ويتغاضى عن مخالفاتهم، وقد يُبرر سلوكهم السيء بولائهم”.
وختاماً، ينصح الخبراء بضرورة وجود تعويض للموظف ـتوفره المؤسسات الحكومية- في الفترة التي يستقيل من وظيفته التي يُستغل فيها ليبحث عن عمل جديد، كيلا يكون مضطراً للتغاضي عن الإساءات في العمل، وضرورة وجود تشريعات تحمي الموظفين من الاستغلال.