عتاب ناعم: أهدف لتعميق العلاقة بين الأشكال ومضامينها في الفن التشكيلي
عتاب ناعم.. فنانة تشكيلية سورية ولدت عام 1978، وأستاذة جامعية لمادة تاريخ الفن الحديث في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق، أعمالها الفنية زينت معارض دولية خارج سورية مثل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وفرنسا ومصر ولبنان.
وكان لموقع “بزنس برس” الحوار الآتي مع الدكتورة عتاب ناعم حول بصمتها في عالم الفن التشكيلي.
كيف تعكس لوحاتك المنظومة البصرية التي تتبنّيها؟
إن الهدف الأساسي في المنظومة البصرية التي أقدمها هو تعميق العلاقة الكامنة بين الأشكال ومضامينها، وذلك بالانتقال بالشكل الواقعي من صورته العرضية إلى الشكل الفني الذي يهدف إلى التعبير عن اللامحدود من خلال الرمز، ومن خلال تحرير الشكل من المفاهيم المسبقة المرتبطة به..
فالفنان دائماً يسعى إلى التحرر من النموذج النمطي بهدف الوصول إلى البناء الشكلي الرمزي الخالص، للوصول إلى هدفه التعبيري عما ورائيات يصعب التكهن بطبيعتها أو التعبير عنها في بنية مترابطة تخضع لقوانينها ونظمها الخاصة، وتستند في فعاليتها إلى الكثير من العوامل السيكولوجية والميثولوجيا باعتبارها تمثيلات فكرية لهذه المدلولات أو إشارات إليها.
نلاحظ في لوحاتك طرحاً جديداً في استخدام العناصر الفنية من جهة التقنية وتنفيذ اللوحة.. ما سمات هذا الأسلوب الفني برأيك؟
عناصر اللوحة تنبثق من الخلفية باتجاه حضورها المادي، لتعبر عن موضوع العمل من خلال البناء الشكلي الرمزي الخالص، أما الإيقاع وهو جزء مهم جداً في البناء التشكيلي فقد جاء متناغماً مع بناء التكوين.
وبالنسبة لتحديد الشكل بالخط بهذه الطريقة فقد كان الهدف منه حصر طاقة الشكل لتحافظ على توهجها فتعطي الشكل ألقه، فالشكل المادي تجسيد للطاقة الذهنية التي أوجدته.
وتم استعمال الضوء بالشكل الاصطلاحي، واعتماد المساحات الموحدة، والبُعد عن التدرج في الإضاءة لزيادة قوة الشكل وجمالياته التعبيرية، بحيث لا تتشتت العين بحيل الضوء وإيهاماته، بل يكون تركيز النظر على الشكل، وتركيز الشعور على المعنى.
والبساطة في طرح اللون والضوء تتيح المجال للمشاهد لتأمل قيمة السطح وغناه البصري، فقد كان اهتمامي الأكبر بالملمس وجعله المعادل البصري لطبيعة الشيء، فاختلاف الملمس يعبر عن اختلاف المادة، إلا أن الأصل واحد، وهذا يعطي إحساساً بصرياً بأن كل العناصر تنتمي إلى خلفية واحدة وكل عنصر تطور إلى الشكل الذي اتخذه ليحقق قيمته وحضوره في اللوحة.
خلال مشاركتك بالمعرض المقام حالياً في صالة البيت الأزرق للفنون الجميلة في دمشق.. قدمتِ لوحة بعنوان “تناغم”.. ما العوامل التي اعتمدتِ عليها في إنتاج اللوحة؟ وكيف تشرحين لنا العمل؟
هذه اللوحة تعبر عن وحدة الوجود، والعلاقة الحتمية بين الكائنات، فهذه العلاقة والتفاعل موجود سواء تم إدراكه أو لا، لكننا نعيشه في كل لحظة.
ونلاحظ في هذا العمل التداخل البصري بين عناصر العمل الفني من حيث الخطوط وتركيب الأشكال، لكن وحدة الأرضية هي التي تجعلنا نشعر بكليّته.
جاء البناء الجمالي محكماً وراسخاً نتيجة توزيع نقاط الارتكاز البصري وحركة الخطوط وفق نظام مدروس بدقة، سواء بتطبيق الشبكة البصرية المتعامدة أو خط الاسبيرال، وقد زادت هذه الأشكال التجريدية تنوع الملمس وأعطت تكوين اللوحة وحدةً وانسجاماً، وجاء هذا التكنيك متوافقاً مع الفلسفة الفنية التي تعتبر أن الموضوع ينشأ عن الخلفية كما ينشأ الكائن عن الوجود.
استخدمتِ الرموز البصرية القديمة في معظم لوحاتك، ويبدو أن توظيف هذه الرموز والدلالات جاء بأسلوب معاصر لا يخلو من الذاتية.. ما رأيك؟
إن الرموز المستخدمة في اللوحة مستمدة من تراثنا المحلي وصياغاته البصرية، لكني لم أستخدم الرمز والأشكال بالشكل الحرفي أو بشكل مباشر، فقد جاء الشكل في اللوحة غير مطابق للشكل التراثي، لأن الشكل يتكون أثناء تنفيذ العمل الفني حسب حركة الخط، وحسب التقاطعات التي تحدث في اللوحة، وليس تقليداً لشكل مسبق، بهدف تقديم رؤية فنية خاصة في تنظيم عناصر العمل الفني من خلال تبسيط الشكل ليتناغم مع الاتساق الكلي للعمل الفني.
هناك سمات شكلية نراها تتكرر في معظم أعمالك، منها وجود الإطار المرسوم داخل اللوحة.. ما أهمية وجود الإطار داخل اللوحة؟
إن الصورة تسجيل للحظة حياة، أما اللوحة فهي حياة نابضة دائمة، ومن هنا جاءت أهمية الإطار في تأليف العمل الفني، فقد كان الهدف منه التعبير عن أن تفاصيل الحدث الذي تعبر عنه اللوحة لها امتداداتها خارج الحدث نفسه، وخروج العناصر من الإطار موجود في التراث الفني، وخاصة في فن المنمنمات والفسيفساء..
لكن الجديد في هذه التجربة هو أن الإطار يتشكل حسب حركة اللوحة وأحداثها وهو متحرك معها، يتفاعل بنفس الديناميكية التي تتفاعل بها العناصر مع بعضها..
فالجمود والثبات غير مقبول في العمل الفني، لأن العمل الفني يعبر عن واقع حي متحرك، سواء كان هذا الواقع فعلياً أو ذهنياً أو افتراضياً، فهو متغير حسب المعطيات، وهذا ما جعل كل عناصر اللوحة تتخذ الشكل والحركة حسب الإيقاع الذي يوحدها.
في ظل تسارع التطور التكنولوجي الحاصل، كيف انعكست نتائج التكنولوجيا على الفن عموماً وعلى اللوحة خصوصاً؟
إن إنتاج الصورة صار اليوم جانباً أساسياً في جميع مجالات العلم والمعرفة والفن، وما تملكه هذه الصناعة من قوى عالية التأثير في الفكر والعاطفة، والتقنيات الإبداعية والتكنولوجية التي يتم توظيفها فيها، جعلت منها أداة شديدة الفاعلية في التحولات التي تحدث في عالمنا المعاصر على مستوى الفن والثقافة والحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية..
وهذا التطور المتسارع في عالم الميديا يطرح تساؤلات حول تطوير مناهج قراءة الصورة وبالتالي تطور الثقافة البصرية، ودور الفنان والناقد والمصمم، ودارس الفن في هذا التطور هو دور مهم جداً في تشكيل الثقافة البصرية..
فالفن – وخاصة فن التصوير – هو العلم القادر على جعل الدلالات العميقة بلغته التشكيلية البصرية تتفوق على الكلمة في تقديم طرق جديدة في الرؤية والتفكير، في تشكيل الوعي وطريقة التعبير..
ودور هذا الفن هو مساعدة الإنسان على أن يكون قادراً على فرض سيطرته على الصورة، من خلال الفهم والتحليل لمحتويات الصورة وقراءة خطوطها، وألوانها وتفسير ما تحمله من مضامين ودلالات على كافة المستويات.