ياسر ديراني: الفن التشكيلي بعيد كلياً عن “البزنس”
لوحات ياسر ديراني وأعماله من عرقه وروحه، فهو يؤكد أن المزج بين الفن التجريدي والفن التشكيلي له تأثير كبيرٌ وعميق للوصول إلى هدف العمل الفني، لأنه مزجٌ بين الخيال الحسي والحدث الواقعي..
فالفن بعيد كلياً عن أي عمل يجني منه الشخص المال، ومهما قدمت التكنولوجيا طرقاً جديدة ومبهرة، تبقى قيمة العمل الفني اليدوي هي الأصح والأنجح..
واللوحة بعد تعب أشهر عليها، تنصهر مع روح الفنان، وهذا هو الفن الحقيقي، لافتاً إلى أن الفن والشعر والأدب الحقيقي تتم محاربتهم أيضاً وسط الظروف المادية الصعبة التي يعيشها المواطن العربي خلال الوقت الراهن.
ياسر ديراني فنان تشكيلي ونحات، وله العديد من الكتابات في الشعر المحكي، وُلد في قرية قصرنبا بلبنان، مارس الرسم والنحت، وهو الآن مستشار فني.
وفيما يلي الحوار التالي الذي أجراه موقع “بزنس برس” مع الفنان اللبناني:
باعتبارك تفردت بالمزج بين الفن التجريدي والفن التشكيلي.. أيهما نجح في التعبير حالياً عن قضايا الواقع العربي الراهن ومشاكله؟
لا شك أن الفنان يتأثر بأي واقع من حوله وخاصة في الوضع العربي وقضاياه.. وأعتبر أن المزج ما بين التجريدي والتشكيلي الواقعي له تأثير أكثر وعمق أكبر للوصول إلى الهدف بطريقة مختلفة كلياً عن الصورة الحقيقية. وبتعبير آخر، هو مزج بين الخيال الحسي والحدث الواقعي.
إلى أي درجة يمكنك الاعتماد على فنك كـ”بزنس” تعيش من خلاله؟ وما الذي يعانيه هذا “البزنس”؟ وهل أنت مع فكرة بيع اللوحات أم “الفن للفن”؟
الفن بعيد كلياً عن أي عمل يجني منه المال أي شخص، وهناك رأيان في هذا الإطار يختلفان عن بعضهما الآخر؛ أولهما أن اللوحة الفنية التي يعبر فيها الفنان ويسهر الليالي عليها، وربما تأخذ أياماً وأشهر معه لإتمامها، وخاصة حين حالة المزج بين الفن التجريدي والواقعي.. هذه اللوحة أصبحت من روح الفنان ولها تأثيرٌ عليه، وهذا هو الفن الحقيقي.
أما الرأي الثاني فهو العمل التجاري السريع، حيث قد لا تحتاج اللوحة أكثر من ساعتين فقط لإتمامها، إذ يعتبرها البعض هنا بأنها تجارة للعيش فقط.
وإنني أقف مع الرأي الأول، فبرأيي أن للوحة قيمة مادية كبيرة أكبر من التجارة.. وأرجو الله أن يساعد الفنان على أيامنا هذه.
إضافةً إلى تجسيدك المنازل الأثرية التراثية في بلدتك قصرنبا.. ما رسالتكَ الخاصة التي تحملها لوحاتك؟ وما دور شرائح المجتمع العربي في تمثيل أعمالك الفنية؟
عدتُ إلى رسم الواقعية بعد انقطاعٍ طويل، ووجدت ضالتي في بلدتي قصرنبا وخاصة المعبد الروماني فيها والبيوت القديمة لأجدادنا، فكانت الفكرة أن تبقى البيوت كما هي الآن، ولتشكل لوحاتي أرشيفاً لها، إذ إن هذه البيوت سيأتي يوم وتصبح مختفية من الوجود، لكن ستبقى لوحاتي تجسد المشاهد الرائعة لها، وخاصةً أن رائحة الطين والصلصال مجبولة بعرق جبين الأجداد.
لقد كان للوحاتي صدىً كبير، إن كان في بلدتي أو في عموم بلدات لبنان، إذ يسألني الكثير متى سترسم البيوت القديمة في القرى المجاورة أيضاً، وهو ما أتمناه حقيقةً قبل انقضاء العمر.
ما أبرز التحديات والعراقيل التي تواجهك كفنان تشكيلي حرفي؟
التحديات كثيرة جداً وخاصة في الوضع الحالي الذي يرسم فيه الفنان لوحته، كما لو أنه ينقر جبلاً بإبرة، ولكن الحياة مستمرة رغم كل هذه الظروف، وأعتقد أن من ضمن الذي يحصل حالياً هو محاربة الفن والشعر والأدب، تزامناً مع البحث عن لقمة العيش، فنحن نعيش في أصعب الظروف، ولكننا سنقاوم لنستمر.
برأيك.. هل الفن التشكيلي قابل للتطور أم وصل إلى مرحلة الذروة؟
الفن هو اكتشاف، فكل ضربة ريشة هي اكتشاف جديد لهذا البحر من الألوان. وفي هذا الفضاء من التعبير، بالتالي الفن يتجدد ولكن ضمن حدود المعقول، أما الفن الآلي برأيي هو ليس بفن وليس له قيمة.
ما المشاهد الأليمة التي تخطط لتجسيدها في أعمالك الفنية حسب المدرسة الواقعية التي تلتزم بها؟
كما حدث وتأثرتُ بانفجار مرفأ بيروت عام 2020، ورسمتُ لوحةً تعبيريةً عنها أخذت صدىً في لبنان والعالم العربي، فمن المؤكد بأن ما يحصل الآن في لبنان وسوريا وغزة سيكون له مساحةً كبيرةً من أولويات اهتمامي عندما تحين الفرصة.. لذلك، فقد وقفتُ ضد هذا المشروع الذي دمر الدول العربية بكذبة اسمها الحرية والديمقراطية.
ما دور مواقع التواصل الاجتماعي في التسويق للفن التشكيلي؟
إن عمل مواقع التواصل الاجتماعي في تسويق الأعمال الفنية أو غيرها هو سيفٌ ذو حدين، وشخصياً لا أثق بأغلب هذه المواقع كما لم أُجرب تنفيذ الطلبات التي تُقدم لي بشكل أسبوعي تقريباً من جمعيات غير معروفة. وفي المقابل نعم استفدت من مواقع التواصل الاجتماعي عبر أقاربي في بلاد الاغتراب، كما أن لوحاتي تصدرت غلاف كتب شعراء وأدباء عرب وأجانب.
كيف أثرت التكنولوجيا على الفن التشكيلي ولاسيما في اللوحات التي يمكن رسمها مباشرةً عبر برامج وطباعتها بمبالغ رخيصة؟
لم تتأثر الأعمال الفنية أبداً بالتكنولوجيا لمن يقدرون القيمة الفنية للعمل الفني، أما بالنسبة للوحات التي تُطبع عبر أجهزة وتُعلق على الجدران فهي لا تساوي قيمة دهان غرفة، وليس لها علاقة بالفن.
كيف تنظر إلى دور الذكاء الصناعي في تطوير الفن التشكيلي؟ وهل يمكن أن يحل محل الفنان؟ وكيف ترى مستقبل هذا الفن في ظل تطور الذكاء الصناعي؟
مهما بلغت التكنولوجيا من تطور وتقديم طرق جديدة ومبهرة ولكن تبقى قيمة العمل الفني اليدوي للفنان هي الأصح والأنجح، فكم هو جميل ورائع ملامسة الألوان لأصابع الفنان وتأثيرها على اللوحة.. أعتقد أن كل هذا التطور سيمر عليه الزمن إلى وقت يهدد فيه حياة الإنسان بالموت البطيء.
لديك تجربة مع الشعر المحكي باللهجة العامية.. برأيك ما العلاقة بين الشعر والرسم؟
صحيح، كنت أتكلمُ الشعر المحكي خلال الرسم. الخيال بالرسم كالخيال بالشعر أيضاً، كما كنتُ أكتبُ عناوين شعريةً للوحاتي. لذلك صارت كتاباتي للعناوين قصائد، وتلقيت دعوات كثيرة للمشاركة بندوات شعرية، فكانت البداية عناوين، وأصبحت قصائد.
شاركتَ في معارض كثيرة خارجية وداخلية؛ كما نلتَ جوائز فنية عدة، ما أثر تلك المشاركات على أعمالك المستقبلية؟
نعم، شاركتُ بمعارض دولية وفي أغلب الدول العربية، أما بالنسبة للجوائز وشهادات التقدير فهي كثيرةٌ جداً، إذ تم تكريمي بعدة مناطق في لبنان، وأرى أن الشهادة أو الدروع التي تُقدم إلى الفنان جيدة، إلا أن العمل الفني هو الشهادة التي تبقى خالدة مدى الحياة للتاريخ مع أجيال وأجيال.
ما نصيحتك للفنانين الشباب الذين يرغبون في دمج الذكاء الصناعي ضمن أعمالهم؟
اعتمدوا على أنفسكم؛ فعقولكم صنع الله، أما الآلة فصنع البشر.. لا تنجروا وراء أشياء وهمية بلا قيمة.
.. وفي النهاية، لا بد من الشكر للفتتكم الكريمة من إدارة الموقع، وألف شكر لأسئلتكم المدروسة والمتقنة.