دور السينما في العلاج النفسي.. فيلم “Inside Out 2″مثالاً

لطالما كانت الأفلام وسيلة قوية لاستكشاف المشاعر والسلوكيات الإنسانية المعقدة، حيث تسلط تونا بريكت، الاختصاصية النفسية المرخصة من هيئة الصحة بدبي في مركز ثرايف للصحة النفسية، الضوء على الدور الهام الذي يلعبه العلاج السينمائي في العلاج النفسي.

وباستخدام فيلم “Inside Out 2” كمثال على ذلك، تشرح بريكت كيفية تعزيز الأفلام للوعي العاطفي والمساعدة في السيطرة على القلق، وفقاً لبيان صحفي وصل موقع “بزنس برس”.

قوة العلاج السينمائي والوعي العاطفي

العلاج النفسي هو نهج علاجي يهدف إلى مساعدة الأفراد على فهم وإدارة تحدياتهم النفسية والعاطفية. 

يتضمن محادثات منظمة مع أخصائي مؤهل لاستكشاف الأفكار والمشاعر وتطوير استراتيجيات التكيف التي تعزز الصحة النفسية للفرد. 

ويمكن أن يتناول العلاج النفسي مجموعة واسعة من القضايا، من القلق والاكتئاب إلى مشاكل العلاقات والتطور الشخصي. 

وهذا المفهوم يتم شرحه بصريًا في فيلم”Inside Out 2″، حيث يتم عرض مشاعر جديدة في الجزء الثاني مثل القلق، والحسد، والملل، والخجل، ما يوضح تعدد المشاعر العاطفية وتوسعها على نطاق أوسع من الفرح، والحزن، والخوف، والغضب، والاشمئزاز. 

والتصور البصري لهذا الفيلم يجسد مثالاً رائعاً على كيفية تطور ونضوج المشاعر باستمرار، وخاصة مع تقدم العمر وإدراك الحياة. 

 الاختصاصية النفسية  تونا بريكت
الاختصاصية النفسية تونا بريكت

ويسلط الضوء على تنوع التجارب العاطفية وأهمية الوعي العاطفي، الذي يعد مكونًا أساسياً في الصحة النفسية. 

وتقول تونا بريكت إن “الوعي العاطفي ضروري، لأنه يتضمن التعرف على المشاعر وفهمها وإدارتها. الأفراد ذوو الوعي العاطفي العالي يتعاملون بشكل أكثر فعالية مع التوتر ويميلون إلى إقامة علاقات صحية بشكل عام”.

ويعتمد العلاج السينمائي على التأثير العاطفي للأفلام لمساعدة الأفراد على استكشاف وفهم مشاعرهم.

ومن خلال التعرف على الشخصيات والسيناريوهات في الأفلام، يمكن للمشاهدين اكتساب رؤى جديدة حول مشاعرهم وسلوكياتهم. 

كما يمكن لهذه العملية أن تعزز الوعي العاطفي، وتطور المفردات العاطفية، وتوفر رؤى حول آليات التكيف والقضايا النفسية. 

ويمكن أن يكون العلاج السينمائي فعالًا بشكل خاص في جعل المفاهيم النفسية المعقدة أكثر قابلية للفهم والتواصل، مما يسهل التأمل الذاتي العميق والنمو الشخصي.

وبناءً على هذا الفهم للعلاج السينمائي، من المهم دراسة الدور المزدوج للقلق وتأثير المشاعر على إدراك الذات والصحة النفسية العامة.

القلق شعور شائع يمكن أن يحمينا ويعيقنا في آن واحد

في سياق العلاج السينمائي، تُظهر الأفلام مثل “Inside Out 2” الانتقال من القلق الوظيفي إلى القلق غير الوظيفي. 

وتشير الاختصاصية النفسية تونا بريكت إلى أنه “من الضروري فهم متى يتحول القلق من نظام تنبيه مفيد ومساعد إلى قوة معيقة وسلبية تؤثر على وظائفنا اليومية”.

وتمييز هذا الأمر أساسي لكل من الأفراد والمعالجين خلال الجلسة، لأنه يؤثر على أساليب العلاج، كما يسلط الضوء بفعالية على كيفية تشكيل المشاعر لتصورنا الذاتي وكيف تعمل في حياتنا.

إدراك الذات والصحة العاطفية

إدراك الذات أو كيف يرى الأفراد أنفسهم ويفهمونها يرتبط بشكل وثيق بالصحة العاطفية.

والتغيرات في إدراك الذات خاصة خلال الفترات الحرجة مثل فترة المراهقة، يمكن أن تؤثر بشكل كبير على مستويات القلق. 

وتوضح تونا بريكت أن “الأفراد الذين لديهم إدراك ذاتي منخفض هم أكثر عرضة للشعور بالقلق المتزايد بسبب الحديث السلبي مع الذات والخوف من الفشل”. 

وتضيف: “هذا الترابط مدعوم بتحليل “meta-analysis” عام 2019 والذي نُشر في مجلة “Affective Disorders”، والذي فحص بيانات من 103 دراسة ووجد ارتباطات متوسطة إلى قوية بين انخفاض الإدراك الذاتي واضطراب القلق العام واضطراب القلق الاجتماعي”.

لذلك، يمكن لمعالجة إدراك الذات أن تلعب دورًا محوريًا في علاج وتقليل القلق وتحسين الصحة النفسية بشكل عام.

وتؤكد بريكت أن الإدراك الذاتي المنخفض يمكن أن يؤثر بشكل كبير على القلق بعدة طرق مختلفة وهي:

الأفكار السلبية: الأفراد الذين لديهم إدراك ذاتي منخفض يميلون إلى التفكير بأفكار سلبية حول أنفسهم وقدراتهم. هذه الأفكار السلبية يمكن أن تؤدي إلى تهديدات متخيلة وقلق.

الخوف من الفشل: الأشخاص الذين لديهم إدراك ذاتي منخفض قد يكون لديهم خوف أكبر من ارتكاب الأخطاء أو الفشل. وهذا الخوف يمكن أن يؤدي إلى تجنب المواقف الاجتماعية وزيادة القلق.

المقارنة الاجتماعية: أولئك الذين لديهم إدراك ذاتي منخفض قد يقارنون أنفسهم بالآخرين بشكل غير مؤات، مما يؤدي إلى شعور بعدم الكفاءة والقلق.

التطبيقات العملية في العلاج النفسي

يمكن للأطباء النفسيين استخدام الأفلام كنقطة انطلاق للمناقشة، ومساعدة الأفراد على التعبير عن مشاعرهم وتجاربهم. 

كما أشارت تونا بريكت إلى أن تحسين تصور الذات وإدارة القلق من النقاط التي يتم التركيز عليها بشكل متكرر في جلسات العلاج النفسي. 

وتحسين تصور الذات يساعد الأفراد على العيش بتناغم ورضا أكبر مع أنفسهم، وأضافت الاختصاصية تونا: “الأساليب مثل العلاج السلوكي المعرفي (CBT) فعالة بشكل خاص في تحديد وتغيير الأفكار غير السليمة والعلاقة بين الأفكار والمشاعر والسلوكيات، مما يقلل من القلق ويحسن تصور الذات”.

وعليه، يقدم العلاج السينمائي من خلال استكشافه للمشاعر المعقدة وتصور الذات رؤى قيمة تعزز الممارسات العلاجية النفسية. 

ومن خلال دمج الثراء العاطفي للأفلام، يمكن للأطباء النفسيين مساعدة الأفراد على تطوير فهم أعمق لمشاعرهم، وتحسين تصور الذات، وإدارة القلق بشكل أكثر فعالية. 

ولا ينبغي النظر إلى المشاعر على أنها “جيدة” أو “سيئة”، بل يجب فهمها من حيث محفزاتها وإدارتها. 

وهذا الفهم يساعد الأفراد على استكشاف مشاعرهم بعمق، مما يحسن ويزيد من لطفهم تجاه أنفسهم والصحة النفسية العامة. 

وتوضح بريكيت كيف أن الأفلام ذات المعنى مثل “Inside Out 2” توفر فهماً موحداً للمشاعر، ما يؤثر إيجابياً على الحياة اليومية والوظائف، هدفها إظهار كيف أن العلاج السينمائي يساعد في التعليم العاطفي والنمو الشخصي، ما يجعله أداة قيمة في العلاج النفسي.

شارك المقال: