يوم من أيام النزوح
ربيع قارس على روح فراشةٍ زاهية الألوان، السادسة صباحاً..
يومها تصدعت نافذة منزلي من أصوات طائرة أفزعتني من غفلتي، رأيت خوف أمي وهي تحتضن إخوتي..
كان يوماً ضبابياً يتخلله الكثير من الهواء الممزوج برائحة الدم الرطب، كانت الجثث تأتي أشلاءً بالكاد تستطيع أن تركب كـ”بازل” على بعضها البعض، المشهد كان مُروّعاً لفتاة بعمر الثامنة عشر..
أتذكر يومها كيف لوحتُ بيداي المرتجفتين للكثير من الأصدقاء، وفي آخر لمحة وداع بيننا، وكيف تلت بعدها الأوجاع بيوم واحد فقط، وجاءتني اليد التي قابلتني بالوداع ملفوفة بقطعة قماش مهترئة، وكان في أعلى رسغها ساعة توقفت عند الرابعة عصراً..
كان لقاءً استثنائياً يومها، وكان اللقاء بين حي وبين جزء من جسد مبتور..
هول المشهد كان له دوي على روحي.. شعرت يومها بقلبي الذي انشطر إلى قطع، وكل قطعة منه كانت تتألم على حِدة..
في ذاك اليوم، قدمايّ خانتني، والدموع كانت تنهمر دون حول مني ولا قوة.. بقيت صامتة.
ثمة لحظات ترافقك بعد الفقد لا تشبه شيئاً، كل شيء حولك يتحرك بينما أنت ساكن متأمل متألم.. فراغ كبير يحاول التهامك وأنت دون مقاومة، تشد على أسنانك وتعصر كف يدك ظناً منك بأنك لا زلت الشخص الذي كنت عليه..
الأمنيات ماتت يومها على جبل شاهق، نُقش على كل صخرة منه وجع بحجم السنين وكأنها لعنة أبدية لن تنتهي.
تركت تلك الديار رغماً عني تلك التي كنتُ أحبها جداً، لكنها أصبحت كالدوامة تبلع كل ما كان جميلاً.
سُلِبت الحياة منها بعنف وكأنها رياح صيفية حارة عاتية أحرقت أغصان زيتونٍ كريم..
الألم أكبر من هذا، وأن أصِفَّ الأحرف الواحد بمحاذاة الآخر ليس بالسهل.. لذاكرة تشبه قطعة بلورٍ مكسور..
لا أستطيع أن أصف الأهوال، لكنني أودّ لو أن كل حرف بإمكانه أن يصل لأعمق نقطة في قلبك.
ذاك الشعور يعنيني كثيراً.
2018