علاج الاحتياج النفسي مع د. تشاسيتي
هل شعرت يوماً بالوحدة المؤلمة أثناء اندماجك بمحادثة أم وجدت نفسك غاضباً بشكل لا يُفهم من أجل خطأ بسيط مثل طلب طعام خاطئ؟
ردود الأفعال الشديدة هذه تكون عادةً مبالغ بها مقارنةً بالحدث نفسه، لكنها ليست حقيقية ولا تعكس شخصية الفرد.
وعلى عكس ذلك تُشير هذه الردود أو الانفعالات إلى الاحتياجات النفسية غير الملباة والساكنة بأنفسنا، والتي تستحق الاستكشاف والتفهم بدلاً من الحكم.
وفي دراسة حديثة تقدمها الدكتورة تشاسيتي، الاختصاصية النفسية المرخصة ومديرة العيادة في مركز ثرايف للصحة النفسية والأستاذة في الجامعة الأمريكية في الشارقة AUS، التي تعرض فيها اكتشافاً مميزاً لمفهوم الاحتياجات النفسية الغالبة والتي تكون غير ملباة وغالباً ما يتم تجاهلها، وفقاً لبيان صحفي وصل موقع “بزنس برس”.
وبفضل سنوات الخبرة في علم النفس السريري، تكشف الدكتورة تشاسيتي عما يشكل هذه الاحتياجات غير الملباة وكيفية ظهورها وتفاقمها في الحياة اليومية، ما يؤدي إلى ردود فعل عاطفية مفرطة في الحالات التي تبدو عادية ولا تحتاج إلى ردود فعل انفعالية.
فهم الاحتياجات النفسية غير الملباة:
ينتشر مفهوم الاحتياجات النفسية غير الملباة عبر العديد من النظريات النفسية، وغالباً ما يشار إليها بإصابات التعلق، أو الجروح غير المشفية، أو الاحتياجات النفسية الأساسية.
وقد يُشار إليها أيضاً باعتبارها جزءاً من هرم الاحتياجات الأكبر، أو جروح الطفل الداخلي، أو الظل، أو الاحتياجات المليئة بالتكيف (أو المعتقدات الأساسية)، أو الأفكار اللاواعية.
وتترك هذه الاحتياجات جروحاً نفسية عميقة الجذور تؤثر بشكل كبير على سلوك الفرد وعلاقاته وصحته النفسية العامة.
ما الذي يسبب الاحتياجات النفسية غير الملباة؟
تشير الدكتورة تشاسيتي أن الاحتياجات النفسية غير الملباة، أو “الجوع النفسي”، تشمل أكثر من مجرد الضروريات الأساسية للبقاء مثل الطعام والمأوى والملابس.
فمنذ الطفولة يحتاج الأفراد إلى الرعاية العاطفية، مثل الحب والقبول وحرية التعبير عن المشاعر وارتكاب الأخطاء، وعدم تلبية هذه الاحتياجات خلال الطفولة يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات عاطفية ونفسية طويلة الأمد.
وتقول الدكتورة تشاستي: “هذه الاحتياجات هي أساسية وغيابها يمكن أن يؤدي إلى جروح نفسية عميقة وطويلة الأمد تؤثر على جميع جوانب الحياة، بما في ذلك العلاقات الشخصية والعمل”.
ما الاحتياجات النفسية والنهج العلاجي لها؟
يوفر العلاج بالمخطط (Schema Therapy) إطاراً قيّماً لفهم هذه الاحتياجات النفسية غير المُلباة من خلال عدسة “المخططات المُبكرة غير القادرة على التكيف” (Early Maladaptive Schemas – EMS).
وتطورت هذه المخططات استجابةً لظروف الطفولة المبكرة المزمنة والضارة والمهملة، وهي آليات تكيف دفاعية كانت في البداية وقائية، لكنها غالبًا ما تصبح من “مهارات البقاء على الحياة” غير القادرة على التكيف في وقت لاحق من الحياة.
وتؤكد الدكتورة تشاسيتي أهمية التعرف على هذه المخططات ومعالجتها لأنها تظهر في أشكال مختلفة، بما في ذلك:
1- الارتباطات الآمنة والتواصل: نحن بحاجة إلى الشعور بالأمان والاستقرار والرعاية والتقدير والقيمة من خلال الشخصية المتوقعة والمحبة. وبدون تلبية هذا الاحتياج، يمكن أن نشعر بألم عميق من الرفض والهجر والنقص والخجل وعدم الانتماء.
2- الاستقلالية: نحن بحاجة إلى الشعور بالدعم ونحن ننمو في هويتنا (القدرة على الاستكشاف والحصول على التوجيه) والشعور بالقدرة على القيام بشيء ما. وبدون تلبية هذا الاحتياج، يمكن أن نشعر بالاعتماد المفرط، والتداخل، وعدم الكفاءة، والانشغال بالفشل أو المرض.
3- الحدود الواقعية: نحن بحاجة إلى تعلم أن ليس كل يوم هو حفلة أو للاستمتاع فقط. الأفعال لها عواقب، ويجب أن نكون مسؤولين، وأن نضحي في المدى القصير من أجل المكاسب طويلة الأجل، وأن نبني القدرة على تحمل الإحباط جزء من أن نصبح بالغين أصحاء ومتوازيين. وبدون تلبية هذا الاحتياج، يمكن أن نشعر بأننا نستحق أكثر من الآخرين، وأننا نعاني من صعوبة في التحكم بالنفس والانضباط الذاتي اللازم لتحقيق الأهداف القيمة.
4- حرية التعبير عن الاحتياجات والمشاعر: ليس كل احتياج يمكن تلبيته وليس كل شعور يمكن العناية به، ولكن هذا الاحتياج يتعلق بالقدرة الأساسية على الشعور بمجموعة من المشاعر دون العار أو أن يُطلب منا التوقف عن ذلك. وعندما لا تتم تلبية هذا الاحتياج، قد نلجأ إلى كبت مشاعرنا أو إخفائها أو التضحية بها بطريقة غير صحية تتركنا معتمدين عاطفياً على موافقة أو اعتراف الآخرين.
5- العفوية واللعب: إذا رأيت طفلاً يلعب، ستلاحظ كم هو غير منظم ويقوده ما يلاحظه في البيئة حوله. وبدون تلبية هذا الاحتياج، يمكن أن نضع ضغطًا هائلًا على أنفسنا والآخرين للوصول إلى الكمالية ونشعر بالذنب المستمر لعدم كوننا منتجين، وقد نشعر بأننا غير مستحقين للأشياء الجيدة.
طرق الشفاء والتعرف على متى يتم ظهور الاحتياج النفسي غير المُلبى؟
الوعي والتعرف على متى وكيف تؤدي هذه الاحتياجات النفسية غير المُلباة إلى ردود فعل عاطفية غير مناسبة هما أولى الخطوات للشفاء.
وتنصح الدكتورة تشاسيتي الذين يعانون من هذه الأعراض بمراقبة أنماط حياتهم والنظر في مشاعرهم، حيث يمكن أن تكون بوابة لاكتشاف الذات والتعافي..كما تؤكد الدكتورة تشاسيتي على “الاعتراف بهذه الاحتياجات يسمح لنا ببدء عملية الشفاء، مما يؤدي في النهاية إلى حياة أكثر صحية و رضا”.