المكتبات البشرية.. مساحات للتعاطف والإنسانية

في عصر الكتب الإلكترونية والهيمنة الرقمية، لستَ مجبراً على الذهاب إلى المكتبات لقراءة الكتب فحسب، بل أصبح بإمكانك اختيار “كتاب بشري” بدلاً من الروايات الورقية، ليخبرك بقصته الشخصية ولتتحدثا معاً عن كل ما يدور في ذهنك لمدة 30 دقيقة، ثم تذهب أينما شئت.

في عام 2000، أطلقت منظمة شبابية دنماركية غير حكومية تسمى “أوقفوا العنف”، مبادرة المكتبات البشرية، وعُرضت أفكار المنظمة لأول مرة في مهرجان روسكيلد للموسيقى في الدنمارك، باستبدال الأشخاص للتحدث معهم بدلاً من قرءاة الكتب، واستمرت أربعة أيام، بمشاركة أكثر من ألف شخص.

ومنذ ذلك الحين، انتشرت المكتبة البشرية في أكثر من 85 دولة ومنطقة.. فمن ميونيخ إلى طوكيو، ومن بنغلاديش إلى سيدني.

ولا يزال المقر الرئيسي للمكتبة البشرية في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن؛ وعند زيارة تلك المكتبات يمكن استعارة شخص ما يلائم ميولك للتحدث معه بكل أريحية، فهي عملية مجانية.

من أكثر الفئات الذين يترددون على هذا النوع من المكتبات، هم ممن يعانون من الوسواس القهري، واضطراب ما بعد الصدمة، والميزوفونيا، وضحايا الاعتداءات الجنسية، وذوي الإعاقات المختلفة، وضحايا التنمر، والذين تعافوا من إدمان الكحول، والنساء المنتقبات ممن تعرضن للإيذاء النفسي، وكبار السن، والشباب الذين نشأوا في الحرب، وكل من عانى من ألم نفسي.

المكتبات البشرية – متداولة

أعطت المكتبات البشرية مجموعة واسعة من الأشخاص للاختيار من بينهم، وأنتجت تدويناً صوتياً يترك مساحة للأشخاص الذين لن يلتقوا أبداً أو يستمعوا إلى بعضهم البعض.

تعمل بعض أكبر الشركات في العالم مع المكتبة البشرية، مثل Merck وHeineken وTesco وMicrosoft وMasco وUGI وZurich Insurance وLego، فيما تعمل المنظمة على تطوير تطبيق لإنشاء منصة تعليمية رقمية.

إن الهدف من المكتبات البشرية هو تبادل الدروس والتصدي للوصم، فلا يوجد شيء أقوى من الكلمة، والشهادة بضمير المتكلم، والرؤية التي تتحدث إلينا وجهاً لوجه.

ورغم أن هذه الأحداث تهدف إلى تعزيز إدماج الذين يعتبرون أنفسهم مستبعدين، إلا أنها تستخدم لأغراض أخرى، ما يتيح لنا أن نضع أنفسنا في منظور الآخرين، وننظر إلى قلوبهم ونلتقي بنظراتهم، الأمر الذي يجعل قصصهم أكثر حيوية وعاطفية.

إن المنفعة الشخصية التي تجلبها لنا هذه التجربة المبتكرة لا تُقدر بثمن؛ ففي حين أن الكتب الورقية قد تغير عقليتنا، إلا أن الكتب المصنوعة من لحم ودم تقرّبنا، أكثر، من إنسانيتنا.

شارك المقال: