عطرك “مهدد” بسبب تغير المناخ
لطالما أسرتنا العطور منذ قرون، وأثارت حواسنا ومشاعرنا؛ فمنذ الحضارات القديمة وحتى العصر الحديث، لعبت الروائح دوراً مهماً في حياتنا، إلا أنها مهددة بالخطر بسبب التغير المناخي في كوكبنا.
في مصر القديمة، تشابكت العطور مع الطقوس الدينية واستُخدمت للزينة الشخصية، وكان لدى المصريين تقدير عميق للعطور، حيث دمجوا الرائحة بممارسات التحنيط.
وفي العصر الحديث، تم إحياء صناعة العطور حتى أصبحت شائعة بين الملوك والنخبة، وكانت فرنسا رائدة في إنتاج العطور، فيما انتشر استخدام الروائح في جميع أنحاء أوروبا، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من أنماط الحياة اليومية.
ولكن، أدى تغير المناخ إلى حدوث كوارث طبيعية وموجات جفاف مستمرة؛ وهذه الظروف الجوية غير الطبيعية لا توفر أفضل بيئة للزهور اللازمة لتصنيع العطر لتنمو، ناهيك عن البقاء على قيد الحياة.
وحتى لو كان الحصاد وفيراً، لا يزال تغير المناخ يؤثر على جودة مكونات هذه الروائح التي ستصنعها صناعة العطور، ما قد يغير في النهاية رائحة العطر نفسه ويمنع المستهلكين من شراء المنتج.
واجهت مدينة غراس الفرنسية؛ عاصمة العطور في العالم، موجات جفاف شديدة، ما أدى إلى خسارة بعض المنتجين لما يقرب من نصف محصولهم.
هذه المدينة توفر الكثير من الزهور لإنتاج العطور الشهيرة، مثل شانيل أو ديور.. وبعض الزهور من غراس أو كراس، مثل الياسمين، تُباع بأسعار أعلى من الذهب، ما قد يكشف قيمة مثل هذه المنطقة المهددة بتغير المناخ وتأثير ذلك على صناعة العطور.
غراس ليست وحدها في العالم التي تتعرض فيها المواد الأولية لصناعة العطور للتهديد بسبب أنماط الطقس القاسية المتزايدة، حيث تلقت الفانيليا التي تنمو في المقام الأول في القارة الأفريقية في مدغشقر، وهي مادة أساسية في هذه الصناعة، لضربة كبيرة.
وتعرضت محاصيل الفانيليا لموجات حر في السنوات الأخيرة، الأمر الذي تسبب بتدمير الكثير من المحصول ورفع السعر إلى أكثر من 600 دولار للكيلوغرام الواحد.
وفي إيطاليا، وتحديداً في مدينة توسكانا، هذا المكان الذي تنمو فيه زهرة السوسن، وهي مجموعة نادرة وباهظة الثمن، يتأرجح سعر الكيلوغرام بنحو 80 ألف يورو، وقد يصل إلى 100 ألف يورو.. فما سبب ارتفاع السعر؟
يستغرق الأمر ثلاث سنوات حتى تنضج الزهرة، ثم ثلاث سنوات أخرى لتجف؛ وهذا وقت طويل جداً للمنتجين، وبالتالي فالتكاليف غير قابلة للضغط.. ومع الظروف المناخية وعامل الخطر، قد يصبح المنتج نادراً ويرتفع سعره أكثر.
وفي جزيرة سولاوسي الاستوائية في إندونيسيا التي تنتج الباتشولي، وهو عضو مورق في عائلة النعناع وعنصر أساسي في صناعة العطور، واجهت في السنوات الأخيرة تقلبات مفاجئة ومتفرقة من الطقس الجاف والرطب، وانخفض معدل بقاء النبات وزيادة إنتاجه.
ختاماً: سيستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن تتمكن الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ من إصلاح القطاع الزراعي.. فليس هناك الكثير مما يمكن القيام به في المستقبل القريب لإحياء فعالية محصول الزهور في كل موسم، ما يتوجب على شركات العطور وضع خطط على المدى القصير، مع مساهمتها في تعزيز الاستدامة.