تنور “أبو سمرة”.. صباحات الريف المعتقة برائحة الخبز
لا وقت لدى سامر وابنه لاحتساء فنجان قهوتهما الصباحي كما الجميع، فمن يتحضر لفطور ريفي سوري مميز، سيكون بانتظارهما أمام مخبزهما المتواضع.
قبل أن يبدأ الجميع يومهم، تكون عجينة “التنور” جاهزة لدى مخبز أبو سمرة، وأيادي العاملين الذين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، بدأت بـ”الرّقّ” و”الخَبز”، منذ ساعات الصباح الأولى.
يروي سامر لموقع “بزنس برس” كيف بدأت فكرة التنور تدور في ذهنه، منذ أن انتقل إلى العاصمة دمشق واشتغل فيها عاملاً لدى عدة مخابز “أفران”، وكيف كانت هذه الحرفة مهنة والده ومن قبله جده، في محافظة دير الزور، شمال شرق سوريا.
تستطيع أن تقرأ ملامح الحنين في عينيه وهو يتحدث عن التنور القديم في دير الزور، وصباحاتها الجميلة، ورائحة الخبز التي تتسلّل إلى القلب مباشرة.
خلف الأرغفة التي تتنوّع بين خبز “الكماج” وبين فطائر الجبن والزعتر والمحمرة، خلف رائحة الخبز الشهية، يتعرض العاملون في الفرن لدرجات حرارة مرتفعة، وهم يلقنون الفرن العجين، ليعيده لهم خبزاً ناضجاً يدعونا لالتهامه.
يرى سامر أن أصعب ما في هذه المهنة هو “التعرّض المستمر والشديد للنار، ما يجعل كثيرين من العاملين يعرضون عن هذا العمل التراثي والممتع”، كما يصفه.
لكنه في المقابل لا يخفي امتعاضه من الارتفاع المستمر للأسعار الذي يؤثر بشكل مباشر على عمله وأسعار خبزه، التي يطمح أن “تبقى مناسبة للمستهلك كي يبقى متاحاً لكل جائع ومشتهٍ”.
وأثر على هذه المهنة ارتفاع سعر الطحين والمواد الغذائية الأخرى، كالجبن والزعتر وزيت الزيتون والخميرة وغيرها، مع ارتفاع سعر الحطب والذي وصل سعر الطن منه إلى 3 ملايين ليرة سورية (نحو170 دولاراً) في فصل الصيف، وهذا الرقم قابل للزيادة المضاعفة في فصل الشتاء، حيث يزداد الطلب على الحطب للتدفئة.
كل تلك العوامل تؤثر سلباً في ارتفاع أسعار المنتج النهائي، وهو خبز وفطائر التنور، وبالتالي فالطلب سيقل عليها حتماً مثلها مثل باقي المنتجات والمواد.
لا يتطرق سامر للحديث عن المنافسة، لكنه يجيب عن سؤالنا عن ذلك بأن “الخبز الجيد، والمعاملة اللطيفة تلعب الدور الأكبر في إقبال المستهلك على مخبز دون غيره، إضافة إلى قلة المخابز المتخصصة بالتنور، فأغلب الأفران في المنطقة تختص بالمعجنات على اختلاف أنواعها، أما التنور فعدد قليل إلى حد كبير”.
وبتنهيدة صغيرة، وابتسامة أمل، يختم سامر حديثه لـ”بزنس برس”، راجياً أن يستنشق رائحة تنور دير الزور، وأن تبرّد حرارة مخبزها، نار الشوق في قلبه لمدينته التي يعشقها.