مسلسل “تاج” يثير الجدل (فيديو)
تعليق صوتي: كوثر صالح
منذ الحلقة الأولى لمسلسل “تاج”, تأليف عمر أبو سعدة، وإخراج سامر البرقاوي، كان ببساطة يُمكن أن يُقتَل البطل وتنتهي الحكاية، وذلك عندما أخطأ الحُرَّاس الفرنسيون هدفهم..
هذا طبعاً رغم سهولة إصابته في الرأس من بلكون الكولونيل جول عندما هَمَّ بالهرب على مواسير المياه، بعد محاولة “تاج الحمّال” (تيم حسن) اغتياله، لكثرة الجرائم التي ارتكبها ذاك الضابط الفرنسي بحق ثوار دمشق المناهضين للاحتلال في أربعينيات القرن المنصرم.
لكن رؤية العمل تتمحور حول البطل الهوليوودي الذي لا يموت، المُلقَّب بـ”المقصّ”، والقادر على الهرب من وجه خصومه وأعدائه بأكثر الطرق كاريكاتيرية، مرَّة باختلاق مشكلة في الترامواي ليزيح النظر عن صديقه الذي كان يحمل مسدساً أثناء تفتيش الفرنسيين للركاب، ليكتشف أن جميع أصدقائه من جماعة القمصان الحديدية لقوا حتفهم في ذات اليوم، وأخرى بتصنُّعه بأنه مُخبِر للمحتلين، وثالثة عندما دكَّت مدافعهم قلعة دمشق فأحدثت ثقباً في جدار زنزانته، وغير ذلك الكثير.
بطل الملاكمة قادر على مراوغة الخصم في المباريات وفي حلبات السياسة والوطنية.. ورغم اتهامه بأنه من خان أصدقاءه، إلا أنه أمضى حياته في مباريات حياتية ومغامرات غرائبية بحثاً عن دليل براءته، متخلياً حتى عن زوجته وابنته..
وكلما اقترب من تحقيق مبتغاه يحدث ما ليس في الحسبان، ويصبح الدليل في أيدٍ جديدة، وكأن ما يحصل أشبه بالبحث عن خشبة الخلود.
وفي مقابل الوطنيين المنتسبين إما إلى نادٍ للملاكمة أو طلاب الجامعات، هناك عملاء الفرنسيين الذين اختارهم “أبو سعدة” من طبقة تُجَّار الصالحية، وعلى رأسهم الخياط رياض (بسام كوسا) وأحد مالكي محلات الأحذية، وعبرهما تُمَرَّر الرسائل في بطانات البدلات الرسمية وضبانات الأحذية إلى الكولونيل جول (جوزيف أبو نصار)..
في حين أنه بالإمكان الاستعاضة عن هذه الخطة البوليوودية بساعٍ ما، من دون ترك أثر وُضِع في ملف العملاء الذي صار بعد حين الدليل الوحيد على براءة تاج.
ما شاهدناه أشبه بفيلم كرتون دون السعي لتوثيق الحياة السياسية والنضالية في تلك الفترة الزمنية من تاريخ دمشق، والتركيز على حياة البطل الخارق أزاح الضوء عن شخصية من مستوى “شكري القوتلي” (باسل حيدر)، فجاءت بطولات تاج أهم من المعارك السياسية والمواقف البطولية التي التزم بها القوتلي بذاته، خاصةً مع صراع البطل لاستعادة زوجته وابنته من أيدي غريمه “رياض”.
ولم تستطع النهاية التمجيدية بمشاهدها الوثائقية أن تُخلِّص الحكاية من مآزقها المديدة، وأخطائها التاريخية والفنية؛ فموضوع العمل ليس قراءة لتاريخ المدينة وإنما لتاريخ الشخصيات وارتباطاتهم ببعضهم، ولو كان ذلك على حساب المصداقية الفنية، والرؤية الموضوعية لدمشق في زمن الاحتلال الفرنسي.
هذا ناهيك عن الشطط الحاصل في الحلقات العشرة الأخيرة، بحيث يتراكم الملل في ظل عدم وجود حدث محرِّك للأفعال، وكأننا أمام لعبة “طميمة” من النوع السمج، والتي لا تظهر معها أي بوادر للكشف أو لإظهار المستور، بل مفاضلات وتمطيط لزمن اللعبة معروفة النهاية منذ الحلقة الأولى.
ورغم جماليات الصورة التي حققها “البرقاوي” بعد أن تم بناء مدينة دمشق من جديد، بأبنيتها التاريخية وعمود المرجة، والترامواي، والملاهي الليلية والبيوت والثكنات، إلا أن البناء على نص غير متماسك لا يفيد الدراما بشيء، وكأننا نُمَكيِج الخَواء، ونُجمِّل الهَباء، إذ لا حبكة مقنعة، ولا أحداث تصاعدية مضبوطة الإيقاع.