لماذا نمرض عندما نكذب.. ونكذب عندما نمرض؟
أُصيب رامي بالحمى قبيل مقابلة العمل، فيما بدأت أعراض الرشح بالظهور لدى فاطمة قبل يوم واحد من زفاف صديقتها المقرّبة.. فماذا يفعلان؟
كلنا أُصبنا بالعدوى يوماً قبل موعد أو مناسبة مهمة، واضطررنا للكذب والتظاهر بعدم المرض.
ورغم أن حضور المريض لمناسبة اجتماعية يحمل العديد من العواقب الصحية والاجتماعية السلبية، لكن 75% من الأشخاص يكذبون بشأن إصابتهم بالعدوى.
وعلى سبيل المثال، يُنظر إلى من يعطس ويسعل باستمرار على أنه أناني وغير مسؤول، ويخاطر بنقل العدوى للحضور.
وفي محاولة لمعرفة لماذا ومتى يكذب الناس بشأن إصابتهم بالعدوى، أجرى باحثون من قسم علم النفس في جامعة ميشيغان الأمريكية في 24 يناير الماضي، دراسة مكونة من 10 تجارب مختلفة شملت أكثر من 4000 متطوع، ما يجعل النتائج قوية وجديرة بالثقة.
وتراوحت نسبة من يكذبون حيال إصابتهم بين 53% إلى 85%، حيث كشفت الدراسة عن طريقتين رئيستين يتبعها المرضى لإخفاء العدوى؛ الأولى هي الإغفال، أي عدم ذكر موضوع العدوى والتظاهر بأن كل شيء على ما يرام، والثانية هي التستر على أعراض العدوى والكذب بشأنها.
وعليه، حدد العلماء أربعة دوافع نفسية رئيسة وراء إخفاء الناس للعدوى، وأهم دافعين كانا ”إعطاء الأولوية للذات“ لدى 46% من المتطوعين، و”قضايا المدرسة أو العمل“ بالنسبة نفسها.
ويتضمن ”إعطاء الأولوية للذات“ دوافع مثل عدم الرغبة في إلغاء موعد انتظره الشخص لفترة طويلة، فيما تضمنت ”قضايا المدرسة أو العمل“ أشياء مثل عدم الرغبة في التغيب عن الفصل قبل وقت قصير من الامتحان لتجنب العواقب السلبية على العلامات المدرسية أو الجامعية.
أما الدافعان الآخران، كانا ”إعطاء الأولوية للآخرين“، أي عدم الرغبة في إثارة قلقهم، و”متطلبات سياسة العمل“، كالخوف من الطرد.
وأظهرت النتائج أن الناس أكثر عرضة لإخفاء حالات العدوى الخفيفة والمنخفضة الخطورة مقارنة بالحالات الشديدة، فيما لم تؤثر مدة المرض على نسبة الإخفاء، وتبين أيضاً أن المرضى الفعليين يكذبون بشأن مرضهم أكثر ممّن يظنون أو يتوقعون أنهم مرضى.
وكما أن الإنسان يكذب عندما يمرض، فهو يمرض عندما يكذب، فحتى الأكاذيب البيضاء الصغيرة، مثل المبالغة واختلاق الأعذار الكاذبة والمجاملات، ضارّة بالصحة، بحسب باحثين.
وفي المقابل، لاحظ الباحثون في دراسة سابقة انخفاضاً كبيراً في حالات الصداع والتهاب الحلق والتوتر والقلق ومشاكل صحية أخرى لدى أفراد المجموعة التي طُلب منها محاولة عدم الكذب لعشرة أسابيع، مقارنةً بمن لم يتلقَوا أي تعليمات مماثلة.
ويوصي الأطباء النفسيون بالابتعاد عن الكذب قدر الإمكان، لأنه يؤدي لمشكلات في الأسرة والعمل والمجتمع، ويُسيء بالتالي لصحة الفرد النفسية والبدنية، ما يتفوّق على الفوائد المؤقتة التي قد يحققها.