الاقتصاد.. “زيت محرّك” الدراما السورية

كثيرون يقولون إن المحرك الأول لأي دراما هو “الفعل” أو الـAction، وما يستتبعه من تشويق ناجم عن حبكة مسبوكة بدقة تدور في فلكها خطوط درامية لشخصيات من لحم ودم، لكن بالعودة قليلاً إلى الوراء، فإن كل ذلك ما كان ليتحقق في الدراما التلفزيونية لولا المال أولاً وأخيراً.

المال الإنتاجي في البداية القادر على شراء نص مميز لكاتب يُتقِن لعبة السيناريو وأفانينها، ثم تأمين مخرج ذي رؤية إبداعية قادرة على قيادة دفة العمل الدرامي بتفاصيله كلها، وبعد ذلك الاتفاق مع ممثلين يستطيعون بنجوميتهم جذب الإعلانات للقنوات العارضة، وليس انتهاءً بتفاصيل العملية الدرامية من اختيار مواقع تصوير ملائمة، وفنيين على درجة عالية في الإضاءة والصوت والماكياج والأزياء، ثم مونتير جيد ومؤلف موسيقى تصويرية مبدع، وغير ذلك الكثير.

هذا كله يضع المال شرطاً أساسياً لصناعة الدراما والترويج لها من ألفها إلى يائها، هذا ينطبق على جميع الدرامات العربية، ليأتي بعد ذلك ما يخص الدراما السورية لهذا الموسم الرمضاني، والتي جعلت الاقتصاد عموماً مُحرِّكاً أساسياً للصراع، فعمل مثل “ولاد بديعة” يقوم بالأساس على خلاف على ورثة بين أربعة إخوة، و”نقطة انتهى” تُبنى حكايته الرئيسية بعد جريمة غير مقصودة من قبل الصيدلاني فارس بعدما باغت لصاً في صيدليته يريد سرقة المال، ليكتشف بعدها أنه أخو زوجته، وتتصاعد الحكاية بعدها.

وفي مسلسل “الصديقات.. القطط” نرى الراقصات الخمسة يعوِّضن حرمانهن والقهر الذي عانينه في الماضي واقتيادهن إلى الرقص الاستعراضي في أحد الملاهي الليلية، بالاستقرار المادي وبعده يأتي العاطفي، فضلاً عن الحادثة الرئيسية لـ”كمال” الذي سرق أموال حماته وهرب، ثم عاد بعد زمن ليُفاوض من أجل الحصول على الغفران.

ويلعب الاقتصاد دوراً رئيسياً في مسلسل “مال القبان”، إذ إن موضوعته الرئيسية قائمة على سماسرة سوق الهال الذين يتحكمون بأسعار المنتجات الزراعية، والصراعات التي تقوم على زعامة السوق، وغير ذلك من مكائد إن تفحَّصناها ملياً سنجد أن الطمع بالثروة هو من يقف وراءها.

وبين السمسرة، والتفاوض، و”ديّة” فلان، ورفع الأسعار، والقبض “شندي”، نُلاحظ أن كل ذلك ما هو إلا مصطلحات تنتمي لعالم الاقتصاد، وباتت الدراما السورية تتكئ عليها بشدة، من أجل تصوير الواقع الاقتصادي السيئ لشريحة واسعة من مجتمعنا، والأمر الآخر لأن المال بات موضوعة درامية بامتياز، وقادرة ببساطة على تحقيق توتر في الأحداث، وتغيير مصائر شخصيات، ودفع الخطوط الدرامية إلى ذرواتها الصغيرة والكبرى بسلاسة.

وفي سياق آخر، نلاحظ أن الدراما السورية باتت تتحدث كثيراً في الآونة الأخيرة عن المتاجرة بالبشر، بطريقة أشبه بزمن العبيد، وهو ما أفرزته الحرب على سوريا وانعكست مباشرةً على الأعمال الدرامية، ما نتلمسه في “كسر عضم” بجزئه الثاني، وأيضاً في “ولاد بديعة” و”العربجي 2″.

يمعنى أننا لو حذفنا الاقتصاد من الدراما السورية، بمفرداته وقيمه ومصطلحاته، وتعشُّقِه بالشخصيات وأهدافها وغاياتها ومصائرها، وما يستتبع ذلك من صراعات قائمة على أساس اقتصادي، فإن تلك الدراما ستخسر الكثير من ألقها وحيويتها، وكأن المال بات في الآونة الأخيرة هو زيت محرك الأعمال الدرامية السورية، ومن دونه لا تستطيع عجلة تلك الدراما مواصلة طريقها.

شارك المقال: