من هو الموسيقار الراحل نوري إسكندر؟

منذ أربعين يوماً، غادرنا الموسيقار السوري نوري إسكندر، تاركاً وراءه مكتبة زاخرة من المؤلفات والألحان استقاها من منبعها الأصلي، إذ صب جل اهتمامه على الموسيقى السريانية بشقيها الديني والمديني، وعمل على تدوينها، واشتق من مقاماتها الفريدة العديد من ألحانه.

ولم يكتفِ هذا الموسيقي المولود في مدينة دير الزور، شمال شرق سوريا، عام 1938 بعدما هربت عائلته من مذابح الأتراك في مدينة الرها (أورفا التركية حالياً) بذلك، بل استطاع بإبداعه أن يضع تلك الموسيقى الموغلة بشرقيتها وأرباع نغماتها بقوالب كلاسيكية غربية، متكئاً على معرفته الواسعة، وصاغ عدة مؤلفات منها كونشيرتو العود مع الآلات الوترية، وكونشيرتو التشيللو مع الآلات الوترية.

ونتيجة شغفه بالمقامات الشرقية وأصولها السريانية، إلى جانب بحثه المديد في أناشيد الفن الصوفي الإسلامي والابتهالات الدينية، استطاع أن يزاوج بينها من خلال ما أسماه “حوار المحبة” الذي أطلقه بدايةً من مهرجان الأغنية السورية في حلب ستينيات القرن الماضي، وفيه أوجد شيفرة خاصة مشتركة أبدع من خلالها عدة أناشيد وابتهالات غاية في البهاء متكئاً على نوع من التأمل الموسيقي الصوفي.

إنجازات نوري إسكندر لم تقتصر على ألحانه الفريدة، وإنما تجاوزها إلى التدوين الموسيقي الذي أنقذ الموسيقى السريانية من الاندثار، بعدما نقلها من الحالة الشفاهية التي تكتنفها إلى مجموعة من مؤلفاته، مثل كتاب “بيت كازو” (كنز الألحان) وفيه تدوين لقرابة 800 لحن سرياني بطريقة يسهل استخدامها للباحثين والمهتمين، وفق مفاهيم ونظريات موسيقية متداولة في كل من سوريا والعراق ولبنان وفلسطين والأردن وتركيا.

كما كان لصاحب “الآهات” بصمة مميزة في الموسيقى التصويرية لبعض الأعمال الدرامية التلفزيونية والسينمائية، منها مسلسل “نساء بلا أجنحة”، وبرنامج “أعمدة النور”، وفيلم “مار مارون”، وكان فيها صاحب خط مُغاير، إذ اشتغل موسيقى تصويرية معبِّرة، والأهم أنها سورية بحتة، داحضاً كل ما يُقال عن أنَّ هوية موسيقانا ضائعة.

وبموازاة ذلك، ألّف عام 2002 موسيقى مسرحية “باخوسيات” للمؤلف اليوناني يروبيديس، وقدمها في بلدان أوروبية عدة.

عاش نوري إسكندر، الذي رحل عن عالمنا في الأسبوع الأخير من العام الماضي، جلَّ حياته في حلب، ثم انتقل عام 2008 إلى دمشق وبقي فيها حتى ضاقت به الحال نتيجة وعود أصحاب القرار بأن يصبح مدرساً في المعهد العالي للموسيقى بسوريا وغير ذلك، فالتحق بابنته سوسن إلى السويد، حيث قدم مجموعة من الحفلات المهمة وتابع في التأليف والاشتغال على شغفه حتى انطفأت روحه في الغربة، وهو العاشق لسوريا وموسيقاها.

شارك المقال: