في رمضان.. تجدد مأساة “الريموت كونترول”

في شهر رمضان تتكرر هذه العبارات بين أفراد الأسرة: “هات الجهاز من عندك.. لا تغير المحطة التي أحب.. أين ضاع الريموت مجدداً؟ يجب أن أغيّر البطارية.. اضغطي على الأزرار بقوة حتى يعمل.. سأرمي الجهاز على رأسك لو لم تصمت.. كلا، الريموت لي فقط وأنا حر وأختار ما أشاء..”.

بأزراره الدائرية والمستطيلة والمربعة وغيرها من الأشكال، بات جهاز التحكم في التلفزيون أو الريسيفر (الستلايت)، واحداً من أفراد الأسرة، و”المدلل” أيضاً، وفي نفس الوقت أداة للعديد من المهام الأخرى.

هذه الحقيقة ليست مبتكرة حديثاً، لكن الصراع لا يزال مستمراً داخل الأسرة للسيطرة عليه والقبض على مفاتيحه، واحداً تلو الآخر، رغم تسيّد وسائل التواصل الاجتماعي المشهد التلفزيوني، وبروز ما يمكن تسميته بـ”ثقافة الريموت” في كل شيء بحياتنا اليومية.

في عالم البث، أصبحت القنوات الفضائية بالآلاف، فيما يختلف ترتيبها في دول العالم؛ فالقنوات الإخبارية في حقل خاص، وكذلك الأمر بالنسبة للرياضة والدراما والسينما والأطفال وأنماط الحياة، أو حسب القنوات الوطنية في الدولة التي تقدم خدمات الكابل أو الاتصالات أو الإنترنت المنزلي.

حكاية “الريموت كونترول

تبدأ الحكاية بالطفل الصغير الذي يتعلم في مراحل عمرية صغيرة كيفية الإمساك بالجهاز وتوجيهه إلى التلفزيون أو الستلايت أو حتى المكيف وغيرها، لأن هذه الآلة تبقى موجودة ومتروكة أو حتى مرمية في كل مكان من المنزل.. ويا لكثرة المرات التي يرمي فيها الطفل الجهاز من النافذة أو الشرفة، مكلّفاً أسرته تكاليف شراء واحد جديد.

كل القطع الديكورية والأثاث في المنزل لها نصيب في احتواء الريموت الذي فرض وجوده وتأثيره، لكن لا تزال نظرية تعلُّق الأب بالأخبار السياسية، والأم ببرامج الطبخ والمسلسلات، والابنة بالأغاني، والابن بأفلام الآكشن والرياضة، والطفل بالرسوم المتحركة، دارجة في العالم بشكل أو بآخر، ولكن ليس كثيراً وخاصة الطفل الذي تغيرت اهتماماته حقاً.

بين هذه الرغبات المختلفة، قد نعثر أخيراً على جهاز مكسر لم تسعفه الأشرطة اللاصقة على مكان بطاريته مع تطاير بعض أزراره، ليبدو شكله ملفوفاً بالشاش على شاكلة مريض دخل طوارئ المستشفى بعد ليلة حامية وشجار عنيف على تملكه.

ما الحل؟

وصل الأمر لدى بعض مراكز الدراسات إلى ابتداع طرق مختلفة لوقف “الاقتتال” على الريموت كونترول داخل المنزل، كاعتماد مبدأ التصويت والأكثرية أو جدولة البرامج ومعرفة توقيتاتها بدقة أو شراء تلفزيون آخر أو تخصيص أيام معينة للأطفال أو إخفاء الجهاز نفسه، كونه يتعرض للضياع كثيراً، وقد يكون داخل الأرائك أو في سلة المهملات أو خزانة الأحذية أو في التواليت..

وهنا تظهر مشاكل أخرى، ولاسيما مع الأطفال الذين سيبحثون عن الجهاز لمشاهدة برامجهم المفضلة وبعض الإعلانات الطريفة.

وعلى سيرة الإعلانات، لعل أكثر استخدام للجهاز يكون في فترات الإعلانات بين المسلسلات والبرامج الأخرى، وكثيراً ما يذكّر أساتذة الإعلام والاتصال طلابهم بأن شركات الإعلانات كانت من أكثر المتضررين من الريموت، كونه بضغطة واحدة يلغي المشاهد الإعلان، ما يؤدي لخسارة الشركات (هذا الكلام لا يشمل مشتركي خدمات البث والمنصات).

الريموت هنا ضحية، فلم تنفع الحلول الديمقراطية كما يقول الكثيرون بل يجب اللجوء للديكتاتورية والعنف، بغية تقليب القنوات المفضلة، مع العلم أن ربّ المنزل “العربي” عموماً هو مَن يتولى مقاليد الحكم على الجهاز، وعادةً ما تتطور الصراعات إلى حوادث مميتة، مثل الجدّة الروسية التي طعنت حفيدها (5 سنوات) قبل أعوام، لفشله في العثور على جهاز التحكم بالتلفزيون، ما أدى لمحاكمتها ست سنوات إثر ذلك.

ويحذر البعض من خطر الجهاز في الفنادق والمطاعم وغيرها، بعد أن أثبتت دراسة أنه من أكثر الأدوات تلوثاً، بالإضافة إلى الهاتف، ثم الأكواب وغلاية القهوة والسرير.

وأخيراً، قد لا يعرف الكثيرون أن اسم جهاز التحكم عن بُعد في اللغة العربية الفصحى هو “الحاكوم”، بحسب مجمع اللغة العربية الأردني بناءً على رسالة الدكتور حامد صادق قنيبي، حيث يعمل بوسائط غير سلكية كموجات الراديو أو الأشعة تحت الحمراء التي يمكن رؤيتها من خلال كاميرا هاتف متحرك عبر الضغط على أحد الأزرار مثلاً، ويعود الفضل في اختراعه إلى عدة مخترعين، أمثال الأمريكيين روبرت أدلر ويوجين يولي.